بين النخل والماء وبيوت الطين ولازال يحب تلك الحياة ويألفها , وعاش بين المدن والطائرات والبنايات الضخمة.
إنه مذهل حقاً فقد جمع بين الأصالة والمعاصرة , بين القلب القروي والعقل الحضري.
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[08 - 09 - 2009, 10:35 م]ـ
منزله ومناصبه الزهيدة
لم يأبه للمناصب الرسمية , وكثير من الناس يصفونه بمناصب تَشرفُ به, وينعتونه بها من حسن ظنهم بنزاهة المناصب ومن يتولاها , لكنه لم يعين فيها أصلاً , بل ليس له منصب رفيع إلا في قلوب الناس , فهو خطيب لجامع عادي في الرياض , وعضو إفتاء متقاعد فقط , هكذا بدون زيادة , شغل منصب معلم في معهد في الرياض سنين طوال , وهذا المعهد إنما تعادل شهادته الثانوية , ونقلت خدماته للجامعة على كبر سنه , فلم يمكث فيها إلا بضع سنين.
ثم طلبه شيخه ابن باز ليكون معه في رئاسة الإفتاء بمرتبة مفتٍ يرد على الهاتف ويجيب على الأسئلة الشفهية ويراجع البحوث قبل نشرها بمجلة الإفتاء , لم يكن ذا منصب رسمي كبير في رئاسة الإفتاء مثل بقية الشيوخ , ولكنه إذا دخل مكتبه تقاطر الناس عليه كما يتقاطرون على مواقع الربيع والخير , فكان هو زينة للمنصب , وبقي رفيع الجاه والمكانة عند الناس.
هذا هو ابن جبرين رجل يملأ سمع وبصر طلبة العلم في الخليج قاطبة , يتشرف طلبة العلم بجلسة معه , يفخرون بسؤاله مباشرة , وهو يحبهم ويودهم ولا يأبه بدنياهم , وما ازداد إلا حباً في قلوب الناس , وما أزداد إلا تواضعاً , فهو طيب القلب , وادع في تعامله , حنون على أمته وأبنائها.
هاهو يبحث عن اليتيم والأرملة ,كما يبحث المزارع عن شجرة يحبها فينظر هل تحتاج لعناية فيصلحها , يقضي سحابة نهاره مع الشعب , يمسح دمعة هذا , ويشفع في حال ذاك , يجمع تبرعات لتلك الأسرة الفقيرة , يسدد فاتورة الكهرباء لذلك العجوز الذي لم يجد معيناً وأنيساً , يسمع الأخبار عن أحوال المضطهدين والمشردين في العالم , يبكي ويحزن ويتألم لمصاب ابن آدم على هذا الكوكب الصغير.
في بداية الأمر سكن الرياض في أول قدومه في بيوت الطين وبقي فيها دهراً طويلاً , ثم بنى بيتاً في حي من أحياء المدينة الممتدة وبيته الجديد في الرياض لم يبنه إلا بعد أن زاد عمره على الخمسين , يقع المنزل في منطقة عادية وحي يسكنه عامة الناس , وكان مبلغ بنائه للمنزل عبارة عن قرض من صندوق للإقراض العقاري الحكومي في المملكة بدون فوائد ربوية.
فهو مثل بقية عباد الله من أواسط الشعب ذوي الدخول المحدودة رغم شهرته وسمعته , يقترض من الصناديق العامة , ويسدد من حسابه كل شهر , ولو أراد أن يتاجر بكتبه أو يرتزق من محاضراته ودروسه لفعل ولغنم أي غنيمة ,لم يهرب من الدنيا ويرفضها , ولكنه لم يركض ويلهث ورائها , ومع ذلك جاءته الدنيا صاغرة فركلها بقدميه , وآثر ما عند الله فعاش سعيداً محبوباً من الناس.
أبطال من الصحراء
نخوته ونجدته أصبحت حديث الناس , فهو يتكلم بصوت مسموع إذا عجز العلماء عن النطق , ويتحرك إذا قعدت بهم نفوسهم عن الحركة , يصارع الحياة ويغالب الوقائع , يراه المرء في مواقف الكرامة التي يخشى الشاب على نفسه من الولوج فيها.
لا يرضى بأن تؤذى حمامة فكيف بأن يؤذى مسلم , وأعظم من ذلك في نظره أن يكون الذي لحقه الأذى عالماً مخلصاً , أو شاباً أوذي من أجل دينه وعقيدته , فيراه الناس جميعاً يحرص أن يكون أول الزوار له , والمناصرين له , لا يبالي بكلام الناقمين , ولا يلتفت لغضب الغاضبين ممن جرفتهم الأهواء , أو خشوا أن يؤثر ذلك على مكانتهم الدنيوية أو مناصبهم الرسمية.
عرفه طلبة العلم في المواقف الصعبة , فهو لا يتحدث إذا وجد من يكفيه في الحديث فهو لا يتكلم لمجرد أن يقال تكلم فلان, وهو لا يشارك الغوغاء صخبهم سواء كانوا من المنتسبين للعلم أو جهلة الناس , ولكنه إذا رأى أن العجز والضعف دب لقلوب الخاصة , وخشي أن لا يقوم بالحق قائم , تراه وقد قام من بين الصفوف ليكون فيصلاً وناطقاً يحمده التاريخ , فهو يَسترُ عنا سوءة الضعف والخور التي رافقت المسلمين في عصورهم المتأخرة.
¥