رفع الشيخ رأسه ونظر إلى عبدالمجيد بحدة قائلا: ماهذا التصرف ياولدي أهكذا تدخل دون سلام وبهذه الطريقة المزعجة ألم أحدثك ياولدي مرارا وتكرارا عن أخلا قيات طالب العلم وما يجب أن يتصف به من سمت وقار وهدوء وسكينة؟؟
أطرق عبد المجيد برأسه وقال بخجل: آسف ياشيخي سأقص عليك سبب استعجالي هذا حتى تعذرني.
ثم أردف قائلا بحزن شديد: عندما اتتهت محاضراتي في الجامعة خرجت أنا وزملائي وأردت الحديث معهم قليلا بعد هذا العناء وقفنا خارج مبنى الكلية تتحدث ونتسامر ولكن رأيت أحاديثهم غريبة عني تماما أحاديث تافهة ياشيخي إنهم لم يكونوا يتحدثون عن ابن مالك ولا عن ابن هشام وسيبويه .. إنهم ياشيخي يتحدثون عن. .عن ..
انحدرت دمعة ساخنة من عينه وهويردد: عن عن .. أليسا وهيفاء وهبي ونانسي عجرم .. لم يكونوا يتحدثون عن الألفية وشراحها بل كانوا يتحدثون عن .. عن (البرتقالة) وراقصاتها ..
أكمل بصوت متهجد بالبكاء: تذكرت أحاديثك عن علمائنا عن ابن هشام وابن مالك عن علمهم وثقافتهم قارنت بين حال هؤلاء العلماء حيث يقضون حياتهم بالعلم تحيطهم هالة من الوقار وتنطق أفواههم بالحكمة والعلم قارنت بين حالهم وحال زملائي هؤلاء حيث تحيطهم هالة من دخان السجائر وتنبعث منهم رائحته الكريهة وتنطلق من أفواههم ضحكات ماجنة .. فحزنت ياشيخي .. حزنت لأننا كنا أهل علم ومعرفة وضيعنا مجدنا هذا .. أين مجدنا هذا أين حضارتنا؟؟ لماذا أصبحنا هكذا؟؟
أخذ ينشج باكيا وهو يردد:
أمتي هل لك بين الأمم ..... منبر للسيف أو للقلم
أتلقاك وطرفي حاسر ..... آسفا من أمسك المنصرم
ويكاد الدمع يهمي عابثا ....... ببقايا كبرياء الألم
لهذا ياشيخي جئتك مسرعا لأني أحسست بالحزن الشديد أريد أن أرفع من شأن أمتي بالعلم يجب أن أبذل أقصى جهدي في ذلك
توقف عبدالمجيد عن الحديث و تساقطت الدموع بغزارة من عينيه وهو يبكي ويتألم.
اغرورقت عينا الشيخ بالدموع وهو يرى تلميذه يبكي وربت على كتفه بحنان قائلا: لا تبكي ياولدي فقد آلمتني ... تفاءل ياولدي بغد مشرق الآن سأحدثك عن ابن عقيل حتى تكف عن البكاء وتفرح لأنني أراك دائما تبتسم إذا حدثتك عن عالم من العلماء ولا أدري ماسر هذه الابتسامة؟
دعنا نبدأ ياولدي
التعريف بابن عقيل
هو أبو عبدالرحمن عبدالله بهاء الدين بن عبد الرحمن الحلبي أصلا، تلقى عن الجلال القزويني وأبي حيان وغيرهما، واشتهر في العربية حتى تبوأ منزلة المشايخة، ودرس بالقطبية والخشبية والجامع الناصري بالقلعة والجامع الطولوني، وولي القضاء الأكبر لشهرته بالتدين.
ومن مؤلفاته النحوية شرحه على التسهيل (المساعد على تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد) وشرحه على ألفية ابن مالك
عبد المجيد:حدثني عن شرحه للألفيه؟؟
يمتاز هذا الشرح بالسهولة، وليس من المبالغة أن يقال أن هذا الشرح هو الذي أرشد المتعلمين إلى معرفة المراد من الألفية تماما فإن عنايته متجهة إلى إيضاحها وتبيان المقصود منها وهو شرج حسن متوسط في النصف الأول ومختصر في النصف الثاني وتتجلى فيه مواءمة ابن عقيل للناظم.
عبد المجيد: ياشيخي سمعت أن هناك حواشي على هذا الشرح فماهي؟
اهتم العلماء بهذا الشرح وكتبوا عليه الحواشي فمنها حاشية (إرشاد النبيل إلى ألفية ابن مالك وشرحها لابن عقيل) لابن الميت وحاشية لعطية الأجهوري وحاشية للسجاعي وحاشية للخضري
وتوفي ابن عقيل ..
عبدالمجيد معترضا: ماهذا ياشيخي؟؟ هل الدرس سينتهي بهذه السرعة؟
نعم ياولدي فقد اقترب وقت أذان العصر ... توفي ابن عقيل ودفن بالقرب من الإمام الشافعي عام 769هجريا
هنا ابتسم عبد المجيد وجفت دموعه وارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيه ابتسامة لا يعرف الشيخ معناها، إن ابسامته هذه تعني أنه يحلم ويطمح ويتطلع .. يتطلع أن يكون عالما مثل هؤلاء العلماء يتطلع إلى مستقبل مشرق حافل بالعلم والعطاء
ـ[محبة اللغة العربية]ــــــــ[05 - 01 - 2005, 12:14 ص]ـ
في اليوم التالي دخل عبد المجيد على شيخه مسلما عليه وقبل رأسه ثم جلس بسكينة ووقار
الشيخ: هذه المرة أراك هادئا مطمئنا، الحمدلله، لقد قلقت عليك بالأمس لأنك كنت تبكي وتسح دموعا غزيرة هل أنت الآن أحسن قليلا؟
عبد المجيد مبتسما: نعم ياشيخي أنا الآن أحسن بكثير، لأنني استطعت وبحمد الله أن أناقش أحد زملائي هؤلاء الذين حدثتك عنهم، ناقشته بأسلوب حسن ومؤدب، سأروي لك ماحدث، عندما كنا في القاعة تأخر الأستاذ قليلا فأخذ أحد الطلاب يغني في القاعة ويترنم قائلا: ياالبرتقالة .... ياالبرتقالة، نظرت إليه وابتسمت ثم أنشدت بعض أبيات الألفية بصوت عال:
كلامنا لفظ مفيد فاستقم ..... واسم وفعل ثم حرف الكلم
نظر إلي وسكت ثم اقتربت نحوه وحدثته عن هذا الموضوع بأسلوب لين عن حرمة الأغاني ومايجب أن يتصف به طالب العلم من وقار وسكينة، كان يستمع إلي بإنصات، الطلاب ياشيخي يقدروني كثيرا لأني أحرص على مكارم الأخلاق معهم، أسلم عليهم ببشاشة وأزور من يمرض منهم، ومن تنقصه محاضرات أعطيه إياه، وأشرح لهم ماغمض عليهم، المهم أحسست أني فعلت شيئا جيدا بموقفي هذا لذا أنا مسرور.
الشيخ: بارك الله فيك ياولدي.
عبدالمجيد: جئت اليوم لأسألك سؤالا:
ياشيخي يقول ابن مالك عن ألفيته في مقدمتها:
وتقتضي رضا بغير سخط .... فائقة ألفية ابن معط
فمن يكون ابن معط هذا؟
اعتدل الشيخ في جلسته قائلا: سؤالك وجيه يابني
ابن معط هو أبو الحسين يحيى زين الدين بن عبدالمعطي الزواوي
ولد بالمغرب من قبيلة زواوة سمع من الجزولي وابن عساكر ثم رحل إلى دمشق واستوطنها وفيها انتفع الخلق بعلمه دراسة وتصنيفا ثم أرغبه الملك الكامل الأيوبي في القدوم إلى مصر فتصدر بالجامع العتيق لتدريس النحو والأدب على أجر جزيل.
ومن مصنفاته النحوية
قال عبدالمجيد باندفاع: الألفية طبعا
ابتسم الشيخ: نعم ياولدي الألفية التي أشار إليها ابن مالك في مستهل ألفيته، وأيضا له كتاب شرح الجمل للزجاجي
توفي بالقاهرة ودفن بالقرب من الإمام الشافعي سنة 628هجريا
عبد المجيد: شكرا ياشيخي لقد أجبتني عن سؤال حيرني كثيرا
بعدها ابتسم عبدالمجيد ابتسامته المعهودة ولمعت عيناه ببريق الطموح والأمل
¥