لم يقدم حتى الآن تحليل فكري للأسباب التي جعلت الشيوعية الروسية تتحلل بسرعة مفاجئة، ما قدمه الماركسيون تحليلات متسطحة أو تبريرات غير مقنعة، أو حالة إدانة للشيوعية الروسية، وجعلها مشجبا لتعليق الأخطاء الماركسية عليها، مع إن علاقة الالتحام بين الفكر الماركسي والتطبيق الشيوعي الروسي من الوضوح بحيث يصبح إنكارا للحقائق الظاهرة الساطعة.
إن محاولة تبرير الماركسية نفسها بأن ليس من شأنها إعلان الحرب على السماء بل مهمتها شن الحرب على شقاء الإنسان في الأرض، (نظرية الحزب الشيوعي الايطالي) تبرير غير مقنع، لان المشكلة الماركسية ليست كامنة هنا بل المشكلة الماركسية هي في إصرارها على التفسير المادي للوجود، والناس ليسوا في محل الغفلة إلى هذا الحد فالتفسير المادي يتضمن إنكار وجود الله نظريا، وبالتالي إنكار النبوات والشرائع والبعث، ومثل هذا التفسير يفقد القيم الرفيعة الروحية والإنسانية والخلقية، بخلاف الغرب الذي حولها إلى قيم فردية بل وجماعية دون أن يكون لها دور في نظام الدولة، والغرب يستغل تلك القيم في كثير من الحيان استغلالا ذرائعيا ( PRAGMATIISM ) يشكل هذا الموقف من الماركسيين حالة هروب من المادية الدايلكتيكية (الجدلية المادية) وهي نظرية التفسير إلى المادية التاريخية، وهي نظرية التغيير، وهكذا ترك الماركسيون أساسهم، فأي مشروعية إذن للماركسيين بعد تركهم الأساس؟ وأي إمكانية لتغيير العالم إذا فقدت نظرية التغيير أساسها؟ ومركزها؟ فالعلاقة بين المادية والجدلية والمادية التاريخية علاقة الروح بالجسد، فالمادية الجدلية روح الماركسية، والمادية التاريخية جسد الماركسية، وما قيمة جسد يفتقد الروح؟
تلك هي إشكالية الماركسية، ورغم الجهود المبذولة من مفكريها ومنظريها الجدد إلا أن إشكاليتها لم تحل، فالأساس نفسه محتاج لإعادة نظر، وإذا أعيد النظر فإنها ستتهاوى مثلها مثل الليبرالية أي تتهاوى معرفيا.
3 - التفسير الوجودي.
الوجودية في شعبها الثلاث تجعل الوجود الإنساني هو المشكلة الكبرى، وان العقل الإنساني عاجز عن تفسير الكون وعاجز عن حل مشكلاته، والحقيقة إن الوجودية المادية وهي واحدة من شعب الوجودية الثلاث، إنما أقامت تفسيرا تحريفيا واجتزائيا للوجود فهي تقسم الوجود إلى:
1 - وجود في ذاته وهو وجود الأشياء الخارجية.
2 - الوجود لذاته وهو الشعور، وانه موجود ليحقق نفسه، وان هذا الموجود لذاته لم تكتمل فيه معاني وجوده، لأنه متغير ينزع دائما نحو المستقبل …الخ.
تلك هي مقولات الوجودية المنتهية بالقول بأن معنى الإنسان حر مرادف لقولنا إن الله غير موجود، فالوجودية وخاصة وجودية (هيدجر وسارتر) هي وجودية ملحدة.
ما سبق من أقوال هي محاولة الوجوديين لتفسير الوجود بالتحريف والاجتزاء، ونظريتها في أفعال الإنسان أكثر تهافتا من محاولة تفسير الوجود.
أما وجودية كيركجارد الدانمركي فهي تفسير صوفي للوجود إذ يرى للإنسان وجودين: وجود فردي مؤقت، ووجود نزاع للحقيقة الأبدية ولهذا فالتدين أمر فردي والوجودية المسيحية وفقا لمنهجية علمية وان قضايا الإيمان يجب أن لا تخالف العقل. .
نخلص من هذا إلى أن الوجودية وان ادعت عجز العقل الإنساني عن تفسير الكون ومشكلاته فهي في الحقيقة ـ بدعوى العجز عن تفسيره ـ فذلك القول في الحقيقة تفسير.
إن تفسير الحياة بالحريات أو بالمادية أو بالوجودية إنما هو تفسير متعلق بالحياة بشقها المادي فقط.
ولهذا فكل مساراتها إنما هي متعلقة في الدنيا بأمر العيش، وهذا هو الأمر المشترك بين التفسيرات الثلاثة السابقة.
4 - التفسير الروحي:-
لأهل التدين رأي آخر خلاصته إن العيش إنما هو لأجل الآخرة، ولهذا كان محور التفكير منصبا على الآخرة، أي القيام بالعبادات، وإذ يتعاملون من ناحية واقعية مع العيش كفكر ضروري، وقعوا في التناقض مع أنفسهم إذ يفسرون الوجود بالناحية الروحية فقط، فظهر عليهم التعبد وهو إذ يمارسون العيش كأمر ضروري سعوا في جلبه، ومن هنا اعترى حياتهم الفصام والتناقض فصار التفكير بالعيش هو التفكير الأساسي، ولا يتورعون عن ارتكاب أبشع صور المخالفات في سبيل العيش، مبقين على الصورة الهزيلة في أداء العبادات في صورة شكلية تخلو من المضامين،يستوي في ذلك
¥