ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 01 - 2007, 03:58 ص]ـ
بسم الله
السلام عليكم
كل عام وأنتم بخير، وجزاكم الله خيرا أيها الكرام، وجزى الله الأستاذ نائل، حفظه الله وسدده، خيرا على هذه المداخلة القيمة.
ومما ينبغي التأكيد عليه في هذه المسألة الجليلة:
أن القرن الأول من هذه الأمة، كانوا أقل القرون اختلافا، إذ كانت أصولهم واحدة، بل إن مجموع الفروع التي اختلفوا فيها أقل بكثير من مجموع الفروع التي اختلف فيها من أتى بعدهم، فكلما اقتربنا من عصر الرسالة، قل الخلاف والتنازع، وكلما ابتعدنا عنه زاد الخلاف والتنازع، فالتناسب عكسي.
ولا يقتصر التفاوت في الاختلاف على القرون فيما بينها، بمعنى أن الاختلاف في القرن الأول أقل منه في القرن الثاني، وفي الثاني أقل من الثالث ................. إلخ، بل يظهر في مراحل القرن الواحد، فعلى سبيل المثال:
لم يختلف الصحابة، رضوان الله عليهم، في أي مسألة شرعية، في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، بمعنى أن صاحب الشريعة كان يفصل بينهم في كل نازلة، لأنه مؤيد بوحي معصوم، فخلافهم يؤول دوما إلى اتفاق على ما جاء به الوحي، فهو واقع ابتداء لا انتهاء.
ولكن بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ظهر الاختلاف من أول لحظة، إذ أنكر قوم موته، فانبرى شيخ المهاجرين والأنصار، الصديق، رضي الله عنه، ليحسم هذا الخلاف بخطبته الشهيرة، فرجع المنكرون إلى الحق المؤيد بـ: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ).
ثم اختلفوا في مكان دفنه، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، فأفتاهم الصديق، رضي الله عنه، بدفنه في مكان قبضه، لأن الأنبياء يدفنون حيث يقبضون.
ثم اختلفوا يوم السقيفة، فرجع الأنصار، رضوان الله عليهم، إلى قول الصديق، رضي الله عنه، المؤيد بـ: بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن كون الأئمة من قريش.
ثم اختلفوا في قتال مانعي الزكاة، حتى ردهم، الصديق، رضي الله عنه، إلى الحق، المؤيد بـ: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله).
وأعقبها بقوله: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها".
كتاب استتابه المرتدين والمعاندين وقتالهم: باب قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة: 6924، من صحيح البخاري.
فكان هذا الرجل العظيم: أعلم الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، فندر الخلاف في عهده، فالله رده من رجل، ورغمت أنوف عرفت الصديق فأبغضته.
ومن بعده جاء الفاروق، رضي الله عنه، فاتسعت دائرة الخلاف باتساع رقعة الدولة، إذ جدت مسائل، ونزلت نوازل، فاجتهد القوم فيها، والاختلاف وارد بين المجتهدين، ولكن الاختلاف في عهده، لم يكن كبيرا، مقارنة بمن جاء بعده، لأنه، رضي الله عنه، استبقى كبار الصحابة كعثمان وعلي وبقية أصحاب الشورى، رضوان الله عليهم، في المدينة، فاستفاد علمهم إلى علمه، فقل الخلاف، ولذا قصر بعض العلماء، كأحمد رحمه الله، الإجماع المعتد به على عصر أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، لأن الصحابة تفرقوا بعدهما في الأمصار.
ثم جاء عهد عثمان، رضي الله عنه، فازداد الاختلاف باتساع رقعة الدولة أكثر فأكثر، فضلا عن تفرق الصحابة في الأمصار، كما تقدم، ثم حدثت فتنة قتل عثمان، رضي الله عنه، شهيدا مظلوما، بأيدي السبئيين أتباع ابن السوداء، فكان مقتله أول فتنة وقعت في هذه الأمة، انتقل فيها الاختلاف من القول إلى العمل.
¥