تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أن مصطلحي "الأصول" و "الفروع"، في اصطلاح المتأخرين، غير محررين، فحصر الأصول في المسائل العلمية، وإن كان الخلاف فيها سائغا، كمسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء والمعراج، وحصر الفروع في المسائل العملية، وإن كان الخلاف فيها غير سائغ، كمسألة الصلاة والزكاة والصيام والحج، فكلها أمور عملية لا يسوغ الخلاف في أصل مشروعيتها بأي حال من الأحوال وإنما الخلاف في بعض تفاصيلها، هذا الحصر غير دقيق، وإنما الصحيح، كما ذكر شيخ الإسلام، رحمه الله، أن كل مسألة جليلة لا يسوغ الخلاف فيها فهي: "أصل" وإن كانت من العمليات، وكل مسألة دقيقة يسوغ الخلاف فيها فهي: "فرع" وإن كانت من العلميات.

فإذا ما تقرر هذا، اتضحت الصورة وبان الخلاف السائغ الذي لا ينكر على المخالف فيه من الخلاف غير السائغ الذي ينكر على المخالف فيه.

فعلى سبيل المثال:

في مسائل الاعتقاد:

خلافنا مع اليهود والنصارى: خلاف في أصل الاعتقاد لا يسوغ فيه الخلاف بأي حال من الأحوال، ومن جهة أخرى هم أقرب لنا من أتباع الديانات الوضعية، إذ عندهم بقايا من وحي السماء، وهو في الجملة، مصدقون بالوحي، مقرون بالنبوات والكتب والمعاد.

ومسائل الأسماء والصفات: الخلاف فيها غير سائغ، لأنها من الأصول، وإن كان المخالفون فيها ليسوا على مرتبة واحدة، فأئمة المسلمين ممن وقع منهم تأويل في بعض الصفات دون أن يكون التأويل مطردا في كلامهم، كالنووي والقرطبي وابن حجر، رحمهم الله، أفضل من الأشاعرة، لا سيما المتأخرون منهم، كالبيضاوي والرازي والآمدي، رحمهم الله، الذين صار التأويل مطردا في كلامهم، والأشاعرة خير من المعتزلة، والمعتزلة خير من الجهمية، والجهمية خير من الباطنية الذين وصفوا الله، عز وجل، بالممتنعات.

وأما مسائل كرؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في ليلة الإسراء والمعراج، و: عذاب القبر، مع التسليم بأصله، هل يقع على الروح والجسد أم على الروح فقط؟، فهي مسائل "فروع" لا ينكر على المخالف فيها، ولا يمنع ذلك من بيان الراجح فيها، فنفي الرؤية البصرية في الإسراء والمعراج ووقوع العذاب على الروح ابتداء، والجسد تبعا، هو قول جمهور أهل السنة في هاتين المسألتين، خلاف ما لو أنكر المخالف وقوع الإسراء والمعراج، أو أنكر عذاب القبر من أصله، فخلافه حينئذ غير سائغ، لأنه خالف في الأصل نفسه لا في تفصيل يندرج تحته.

ومثال آخر:

القدح في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وهو دأب كثير من العلمانيين المأجورين في زماننا، فالخلاف فيه غير سائغ بالمرة، لأن القدح فيهم قدح في نقلة الشريعة، بل في الشريعة نفسها، لأن ناقليها، بزعم القوم: فساق غير عدول، وخبر الفاسق غير مقبول بالإجماع، بل قدح في صاحب الشريعة، نفسه، كما استظهر ذلك مالك، رحمه الله، فهم قوم سوء أرادوا القدح في الرسول صلى الله عليه وسلم، فتهيبوا ذلك، فراحوا يقدحون في أصحابه، ليقال: رجل سوء، حاشاه صلى الله عليه وسلم، لو كان عدلا لكان أصحابه عدولا، فكيف يسوغ الخلاف في مثل هذا الأصل بدعوى حرية "الفكر" و "التقريب بين المذاهب"؟!!!!!!!.

وهكذا في كل مسألة عقدية.

وكأمثلة على المسائل العملية:

مسألة الطمأنينة في الصلاة: مسألة عملية خالف فيها الأحناف، رحمهم الله، فلم يبطلوا صلاة من لم يطمئن فيها، فالخلاف فيها غير سائغ، لأن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة، بدليل ذكرها في حديث المسيء صلاته، وهو العمدة في معرفة أركان الصلاة، والعبادة تبطل بترك ركن من أركانها كما قرر الفقهاء.

وأما مسألة جلسة الاستراحة فهي: مسألة عملية، الخلاف فيها سائغ، فمن قال بأن الجلوس مقصود لذاته، فهي عنده سنة، ومن قال بأن الرسول صلى الله عليه وسلم جلسها في آخر عمره لما ثقل بدنه، فهي عنده غير مقصودة لذاتها، فلا ينكر على المخالف، والراجح، والله أعلم، الإتيان بها لا على سبيل الدوام.

ومسألة كجواز أكل لحم الكلب، عند من قال بجوازه: مسألة عملية الخلاف فيها غير سائغ، لقيام الدليل على نجاسة عين الكلب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير