تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ونظراً لوجود مقومات أصالة الأمرية في الآية، صيغة الأمر، والاستعلاء والإلزام، فالأمر على أصل وضعه وهو لزوم الأمر والإتيان بالفعل وتنجيزه.

نوع الوجوب

بعد بيان حكم الوجوب الشرعي للدعوة يلزمنا البحث عن نوع هذا الوجوب، هل هو وجوب عيني يلزم كل فرد من أفراد المسلمين إن لم يأتي به يأثم كالصلاة اليومية؟.

أم أنه وجوب كفائي إن قام به بعض المسلمين سقط عن الآخرين وإن لم يفعلوا جميعاً أثموا جميعاً كصلاة الجنازة؟.

فقد ذهب أكثر الفقهاء والمفسرين على أن الوجوب للدعوة الإسلامية كفائي وليس عيني وذهبت القلة منهم على انه وجوب عيني. ومنشأ الخلاف ناتج عن اختلاف نظرهم في الآية الشريفة (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير .. ).

فالقائلون بالوجوب العيني رأوا أن حرف الجر (من) في قوله (منكم) للتبيين. أي لتبيين الجنس بمعنى: ولتكونوا أمة تدعون إلى الخير، أو بعبارة أخرى، ولتكونوا جنس أمة تدعوا إلى الخير، وكان القصد من حرف الجر (من) تخصيص المخاطبة الإسلامية دون غيرها.

وأما القائلون بالوجوب الكفائي فقد رأوا أن حرف الجر (من) ليس لبيان الجنس وإنما القصد منه التبعيض بمعنى وليكن بعضكم يدعو إلى الخير، وبعبارة أخرى وليكن منكم جماعة تتخصص بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا هو رأي الجمهور من الفقهاء ورأي اغلب المفسرين، والحق معهم إذ يدل على هذا المعنى تخصيص الوجوب بطائفة من المسلمين تتخصص وتتحمل مسؤولية الدعوة وإرشاد الناس وهدايتهم في قوله تعالى: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) (17).

فقد استثنى الله سبحانه وتعالى من القتال طائفة من كل قبيلة من القبائل التي دخلت الإسلام لتتخصص بالتفقه والتعلم للجهاد في ميدان آخر لا يقل أهمية عن ميدان القتال والجهاد في سبيل الله وهو ميدان الدعوة إلى الإسلام.

فإن شأن الدعوة يحتاج عقلاً إلى فرقة من المؤمنين الرساليين ليتخصصوا ويتزودوا بما يلزم من علم وعقل وفهم وحكمة وبصيرة للتصدي للدعوة إلى الله وسياقة الناس إليه تبارك وتعالى. لأن الداعية لا شك أنه سوف يواجهه معارضات فطرية وعقائدية وجدلية وتساؤلات فقهية وحجج وبراهين، وغير ذلك مما لا يستطيع غير المتخصص القيام بها أو التصدي لها.

ومن ثم فإن وجوب الدعوة الإسلامية وجوب كفائي، ومع ذلك فهناك وجوب آخر يفرضه حق الإسلام على كل فرد ينتمي إليه وهو أن يكون داعيه بسلوكه وأخلاقه وبما يقدر عليه. فإن احترام الإسلام حقه على المسلمين ألا يهينوه أو يشوهوه بسلوكهم، فسلوك المسلم واجهة لدينه ومعتقده. فالمسلم إذا شرب الخمر أو ساير بسلوكه غير المسلمين وتخلق بالخلق السيء فإن ذلك يوحي للفهم الخاطئ للإسلام وشرائعه. وإذا تخلق بأخلاق الإسلام وتعاليمه فإن ذلك مما يحبب الآخرين للإسلام ويرغبوا بالدخول في هديه.

حكم التبليغ

بعد أن بينت حكم الدعوة إلى الإسلام يأتي دور حكم التبليغ الإسلامي.

إن من الملاحظ في الآيات الموجبة للدعوة مثل ما ورد في وقوله تعالى: (وإن تكذبوا فقد كذّب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين) (18).

نجد أن الوجوب كما هو ظاهر في جميع الآيات التي تتحدث عن التبليغ مخصوصة بالرسل صلوات الله عليهم أجمعين وليست متعدية إلى غيرهم، وذلك على خلاف ما جاء في وجوب الدعوة صحيح! إن ذلك لا يعني وقف التبليغ على الرسل فقط. لأن مرحلة التبليغ الديني خاصة الإسلامي منه يكون على مرحلتين المرحلة الأولى هي مرحلة إبلاغه من الله سبحانه وتعالى إلى الناس، وأستطيع أن أعبر عنه بمرحلة التلقّي، وهذه المرحلة لا شك في أنها مقصورة على الرسل الذين يتلقون من الله تعاليمه ثم يبلغونها لمن حولهم من الناس ثم تأتي المرحلة الثانية للتبليغ وهي مرحلة الانتشار، وهذه المرحلة – مرحلة الانتشار – من وظائف أتباع الرسل الذين آمنوا بتعاليمهم، وفي الأمة الإسلامية المكلف بها العلماء باعتبار أنهم ورثته في من تعاليمه ودينه.

فإن من أهم وظائف نشر التعاليم الإسلامية ونشرها بين الناس وهذا هو معنى التبليغ وحكمه الوجوب على العلماء القادرين على ذلك.

ومن هنا يكون حكم التبليغ كحكم الدعوة واجب كفائي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير