[قرأت لك]
ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[03 - 12 - 2007, 04:46 م]ـ
قرأت لك: قراءة النص القرآني بين الالتحام والانسلاخ / منقول للفائدة
أحمد خيري العمري*
ليس هناك أسوأ من التقليد المذهبي الرتيب إلا تجديد مزعوم بلا ضوابط ولا شروط، ويبدو أن جزءا من قوة الفكر التقليدي (القوي أصلا) مستمد من هذا التجديد الذي صار يعد بمثابة حصان طروادة لإدخال الأفكار الليبرالية إلى الرأس المسلم، لكن التجديد الحقيقي الذي هو أبعد ما يكون عن إضافة بعض الرتوش التجميلية هنا وهناك لما يقال منذ قرون يجب أن يعزل عن كل ذلك وأن يكون المفتاح الحقيقي لكل أزماتنا على الصعيد الفردي والاجتماعي.
فما هو هذا التجديد .. ؟ وما هي ضوابطه وشروطه أولا؟
ضوابط هذا التجديد يجب أن تنبع من النص القرآني نفسه، فهذا النص الذي لم يدخله تغيير ولا تحريف هو السلطة الأولى التي ينبغي للتجديد والمجددين الخضوع لها داخل النص القرآني، ويمكن إيجاد ضوابط وشروط تحدد للتجديد طريقه .. نقطة انطلاقه وهدفه النهائي، لا أستطيع تصور أن هناك من يمكنه الادعاء أنه يمتلك الآن مفاتيح هذه الشروط القرآنية للتجديد، لكن هذا يجب ألا يمنع سبر أغوار القرآن الكريم من إيجاد شروط التجديد، علما أن هذا السبر في حد ذاته هو قراءة جديدة، أي أنه تجديد أيضا بطريقة ما، وهذا يقودنا إلى نقطة البداية من جديد، فلكي يكون هناك تجديد يجب أن يكون هناك شروط وضوابط، ولكي تجد الضوابط فعليك أن تقرأ القرآن من جديد، وهذا كله يضعنا في ما هو أشبه بحلقة مفرغة، كيف تقرأ القرآن الكريم من جديد لكي تستخرج ضوابط التجديد وأنت تحتاج إلى هذه الضوابط أصلا في القراءة .. ؟
ربما كان علينا قبل استخراج الضوابط أن نحدد الهدف من القراءة أصلا قبل أن نحدد ضوابط القراءة من جديد. لماذا أنزل هذا النص علينا .. ؟ لماذا هو وليس غيره؟ لأنه بالتأكيد -بالنسبة لنا طبعا على الأقل نحن الذين نؤمن به- يحوي المنهج الأمثل والأفضل للحياة على الأرض.
إذاً بما أن هذا النص «منهج حياة» فإن أي قراءة منسجمة معه يجب أن تضيف معنى لحياتنا على هذه الأرض، يجب أن تثريها حياة وفاعلية، فكلما كانت القراءة تزيد الفاعلية والتفاعل مع الحياة كانت منسجمة مع الهدف من نزول هذا النص، وبالتالي تكون قراءة تجديدية سواء أكانت قرئت في القرن الثاني الهجري أم في الخامس عشر أم العشرين بعد المائة، المهم هو أن تكون القراءة فاعلة.
حسنا، كلام جميل .. لكننا نسمع أحيانا كلاما من هذا النوع وأكثر من أدعياء التجديد أنفسهم الذين يمررون كل ما يريده الغرب وسط إنشائيات منمقة من هذا القبيل، فقد قرأنا كلاما جميلا عن «تثوير القرآن» فإذا به مقدمة لإلغاء كل حكم موجود في القرآن ابتداء من لباس المرأة (لعيون الغرب كل شيء جائز!) فما هو الضابط في الحديث عن القراءة الفاعلة للقرآن الكريم؟
الضابط هو أن تكون فاعلة، أن تعمل على تفعيل النص لا على إلغائه بأي حجة، إذ أن أي قراءة تعمل على وقف عمل النص لأي سبب كان هي قراءة تخرج فورا من سياق التجديد وتوضع في سياق آخر هو «العجل الغربي» أو المؤامرة المستمرة .. إلخ. وما دمنا قد ضربنا مثلا بلباس المرأة الذي كان دوما موضوعا ساخنا استعرض فيه أدعياء التجديد كل فذلكاتهم .. فالقراءة التجديدية المزعومة ستعمد إلى إلغاء الآية بحجة السياق التاريخي، أو بحجة التمييز بين الإماء والحرائر، أو حتى بحجة لباس التقوى خير!! كما قيل فعلا.
أما القراءة الأخرى الفاعلة فإنها ستقرأ النص بتفاصيله الواضحة على أنه تفعيل لدور المرأة في المجتمع، فالمرأة التي تقضي حياتها في البيت دون خروج وبمعزل عن المجتمع ليست بحاجة إلى لباس محدد الأوصاف وبتلك التفاصيل الواردة، فهي في بيتها تلبس ما تشاء، لكن الخروج الفاعل في المجتمع يملي عليها زيا محددا تحيد فيه أنوثتها عن سياق التفاعل، أي أنها بهذا الزي الذي سيخفف من معالم أنوثتها سيجعلها تتفاعل مع المجتمع كإنسان وليس كأنثى .. طبعا سيضج أصحابنا من جماعة التجديد تحت راية الليبرالية بالقول إن المرأة كانت مضطرة للخروج لقضاء الحاجة، أو من أجل تمييزها عن الإماء .. إلخ، لكن الآيات الكريمة لا تشير لذلك بتاتا حتى وإن كان هناك شيء ما مقارب لما يقولون تاريخيا، أما نحن فنؤمن بأن النص القرآني متعال عن الزمان والمكان، وأنه له في كل عصر مقارباته وقراءته الفاعلة التي لا تلغي بالضرورة قراءة أخرى سابقة، لكنها تثري التفاعل الاجتماعي وتغنيه عندما تدخل كطرف «فاعل» في المعادلة ..
والتجديد المنشود هو ذلك الذي يتفاعل مع العالم بقصد تغييره .. دوما لدينا حساسية مفرطة من الحديث عن تجديد متفاعل مع العالم، وذلك لأن أمر هذا التفاعل دائما ينتهي إلى العالم الذي يغير فهمنا للنص ويملي شروطه علينا وعلى فهمنا له، وهذا صحيح أحيانا لكن ليس دائما، و ليس عندما ندخل التفاعل وقد فهمنا شروطه أن نقرأ النص من أجل تغيير الواقع، من أجل أن ندخل الواقع وقد صرنا طرفا فاعلا في معادلة تغييره.
يمكن للنص القرآني بهذا أن يقود إلى طريقين، قراءتنا هي التي تحدد وجهة الطريق الذي سنسلكه، إما خيار «الانسلاخ» عنه -عن القرآن- وقراءته قراءة إلغائية انسلاخية أو خيار الالتحام به وبمضامينه، والفرق بين القراءتين هو فرق بين منهجين وأيضا بين نتيجتين لاحقتين مختلفتين {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين} [الأعراف:7/ 175]. هذا هو باختصار قرآني بليغ ملخص ما كنت أقول بأن القرآن يمكنه أن يرفعك، لكن انسلاخك عنه يجعلك غارقا في الأرض، يجعلك في أدنى نقطة، التحامك به هو الذي يرفعك، نفس الآية يمكنك أن تقرأها فترتفع أو تقرأها فتخلد إلى الأرض.
هذا هو باختصار بعض ما يجري على الساحة الآن ..
*كاتب عراقي مقيم في سوريا
¥