[صورة من ماض مجيد وحاضر مؤلم!!!!!]
ـ[مهاجر]ــــــــ[03 - 01 - 2008, 03:02 ص]ـ
بعث محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مجتمع "طبقي"، إن صح التعبير، فالمجتمع المكي آنذاك: متباين الطبقات، فمن: طبقة "راقية" استمدت رقيها ونفوذها من: الثراء المادي، فصارت بأموالها الطائلة ذات نفوذ وتأثير كبير في القرار السياسي المكي، وهذا أمر شائع في المجتمعات "الرأسمالية" أو "الإقطاعية"، فالأثرياء فيها هم: "صناع القرار"، بلغة العصر، وإن كان في دينهم رقة، و كانت أصولهم متدنية، فليس لهم حظ من دين أو نسب رفيع، وإنما مجرد عرض زائل يسترقون به أبدان وقلوب الفقراء، وهذا ظاهر في أي مجتمع اختلت فيه التركيبة السكانية، كمجتمعنا المصري، الذي اضمحلت فيه، كما يقول أحد الكتاب المعاصرين، الطبقة الوسطى، التي هي عماد أي مجتمع سوي، وانقسم المجتمع إلى: طبقة ثرية جدا، لا تمتلك في الغالب أي قيم دينية أو أخلاقية، وليس لكثير منها: نسب شريف أو أصل كريم يردعها عن اقتراف الموبقات وخوارم المروءات فـ:
لا خيل عندك تهديها ولا مال ******* فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
فلا أخلاق ولا عطاء، فبم يُسْتَألَفُ البشر؟
وغالب من عانى من الفقر، مع قلة في دينه ودنو في همته، يكون شرس الأخلاق، قاسي القلب على من حوله من الفقراء والمستضعفين، مع أنه كان في يوم من الأيام واحدا منهم، بل لعله كان أفقرهم وأضعفهم!!!!.
فأين هذا من قول محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم لذلك الأعرابي الذي هابه، حتى ارتعدت فرائصه: (هون عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد!!!!)، والحديث عند الحاكم، رحمه الله، في "مستدركه"، وعند الطبراني، رحمه الله، في "معجمه الأوسط"، من حديث جرير بن عبد الله البجلي، رضي الله عنه، وعند أبي الشيخ الأصبهاني، رحمه الله، في "أخلاق النبي" من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.
وأين شح أولئك من عطاء محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو الذي ابتلي بالفقر فصبر، وبالغنى فشكر، فكان عطاؤه كما قال الأعرابي الذي أعطاه غنما بين جبلين: عطاء من لا يخشى فاقة، كما ذكر ذلك القاضي عياض، رحمه الله، في "الشفا".
وصاحب الأصل الكريم يترفع عن كثير من الدنايا، وإن لم يكن صاحب دين، لأن كرم أصله يزجره عن ذلك، فتجد أبناء البيوتات الرفيعة يتكلفون من حسن الخلق وجودة العبارة ما لا يتكلف غيرهم، وهؤلاء إن وفقوا إلى التزام الشرع الحنيف فهم أسعد الناس حظا، وأهنأهم عيشا، فاجتماع الدين مع الأصل الكريم والمال الوفير مظنة الفلاح، وفي حديث عمرو بن العاص، رضي الله عنه، مرفوعا: (نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ).
وهكذا كان حال أمثال أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، فقد كان معدودا من أثرياء قريش، أصحاب الوجاهة الاجتماعية، مع حسن خلق ولين جانب، جعله محبوبا تميل القلوب إليه وتأنس النفوس بمجالسته، وقد وصفه ابن الدغنة فقال: (إِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ)، قال ابن حجر، رحمه الله، معلقا: "ومن أعظم مناقب أبي بكر أن ابن الدغنة سيد القارة لما رد إليه جواره بمكة وصفه بنظير ما وصفت به خديجة النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث فتواردا فيهما على نعت واحد من غير أن يتواطآ على ذلك وهذا غاية في مدحه لأن صفات النبي صلى الله عليه وسلم منذ نشأ كانت أكمل الصفات"
وفي حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، مرفوعا: (لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط وجه وحسن خلق)، والحديث متكلم في إسناده، وهو عند ابن أبي شيبة، رحمه الله، في مصنفه، ومصنفه مظنة الموقوفات على الصحابة، رضي الله عنهم، فمن دونهم.
فكان الصديق، رضي الله عنه، ممن وسع الناس ببسط الوجه وحسن الخلق.
¥