بين عالم مؤرخ، وعاميٍّ يُتَوْرِخ!!
ـ[أبو محمد المصرى]ــــــــ[17 - 12 - 2007, 08:11 م]ـ
بين عالم مؤرخ، وعاميٍّ يُتَوْرِخ!!:
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
كان (أُخو رِفْعة) عامِيّْاً يحمل بيمينه حقيبة مليئة بمراجع في الأنساب عاديَّة، ويتأبَّط بشماله أوراقاً، وفي جيبه سبعة
أقلام .. يجلس متربِّعاً، مُكبّْاً بعقاله حتى لا تكاد ترى عينيه .. يرصُّ من غُثاء العامية نظماً يقوله الآن الأطفال والرعاة يفاخر به وينافر، ويجعل زيداً سعداً، وحارثاً عمارة .. ويتنحنح ويتفاصح بلا أهلية من علم أو سيادة ..
وهو يُذَكِّر برجل كبير السن لحيته بيضاء كثَّة، وعليه عمامة، وكان على ساحة يتقمَّلُ في المشراق؛ فظنه بعض العرب شيخَ علمٍ؛ فقالوا: أيها الشيخ: كان منا فتى لمس أنفه فَرَعَفَ؛ فهل ينتقض صومه؟! .. فقال الشيخ: هذا عنده دم كثير؛ فليذهب إلى الحجام؟! .. قالوا: جزاك الله خيراً .. جئناك فقيهاً فوجدناك طبيباً؟!.
وكان العالم المؤرخ المحقِّق المدقِّق يتحدث مع إخوانه في منتدى علمي، ويقول في أثناء حديثه: ((والعرب بغير الشرط الإسلامي: سيف مُصْلَت، وعِرْق يَشخب)).
فقام (أُخو رِفْعة) وقال: بسم الله الرحمن الرحيم .. أنت وش علمك بأنساب العرب؟ .. العرب ما فيهم بني عرق ولا بني يشخب .. والعرق قِدّْة من النفود، واللي يشخب الحليب من الَّديْس.
العرب عاربة ومستعربة، والمستعربة بني عدنان من بني سماعيل عليه السلام، والعاربة بني قحطان من هود عليه السلام.
قال المؤرخ: إليكَ عني يا فتى الشاء؛ فلست إياك أعني، ولا إلى مثلك أتحدث.
قال المتورخ: سلط الله على الظالم .. هذا كلام ما أعرفه، وَمَن حضر تكلَّم، وأنت شعوبي معروف.
قال المؤرخ: كلنا ذلك الرجل؛ فكل الناس جعلهم الله شعوباً وقبائل من الهنود والعرب والعلوج والعجم .. إلخ .. إلخ .. واستمر بألف (إخ إخ) على سبيل اختصار المختصر! .. فقال المُتَوْرِخ: أُخو رِفْعة!! .. لا والله ما شعوب العجم مثل بني بكماء العرب المصَلْصَلْين، اللي لهم من النقرة إلى النقرة، ومن البحر إلى البحر:
ملأنا البر حتى ضاق عنا **** وماء البحر نملؤه سفينا
مَارْ أنت معروف بالشذوذ في أفكارك .. ونطق الشعر بتفاصحٍ على خلاف معهود كلامه السابق؛ لأنه من الشجون التي يتورخها.
قال المؤرخ: حيَّاك الله يا أخا العرب!! .. والله ما أعلم عن بني بكماء هؤلاء شيئاً، ولقد هجوتني ظلماً بالشعوبية والشذوذ الفكري .. وغلبتني كما غُلب الإمام الشافعي رحمه الله كثيراً باعترافه لما ناظَر أمثال (أُخُو رِفْعة)، وأنت ابتليتني وأنا في كرامة من مناظرتك.
فحك (أُخُو رِفْعة) رأسه، وقال: لا وَاللهْ أَلاَّ .. اللي ما ناخذه بالعلم ناخذه بالذراع!!.
ففقد المؤرخ صبره، وأراد أن يجبره على التعلُّم، ويلقِّمه العلم تلقيماً، فقال لأُخُو رِفْعة: ((أيها المُتَوْرِخ: عن أمثالك كتب القصيمي (العرب ظاهرة صوتية)، وكثير من كلامه حق مع بغضي لأفكاره بالنسبة للعرب لمَّا تركوا الشَّرْط الإسلامي، وخرجوا من خير أمة أخرجت للناس إلى عشائرية يأكل بعضها بعضاً، ولا يفلح العربي إلا خلف النبي، والْبَرُّ مملوء بغيرنا، والبحر لا وجود لنا فيه .. بل ملأوا الجو أيضاً.
والقصيدة الكلثومية لم تُزحزح شيئاً من سلطان كسرى وطغيان عملائه .. وَفَعْلَة عمرو ليست مواجهة حربية بين أمتين، وإنما هي شجاعة فردٍ قتل قائداً من العملاء ثم هرب في البراري بين قومه .. والقصيدة الكلثومية مملوءة بالفخر بالشجاعة بين الأكفاء من العرب أنفسهم، وليس غلبة أمة لأمة .. ألم يقل
وكنا الأيمنين إذا التقينا **** وكان الأيسرين بنو أبين
ثم اعجبوا لهذه الظاهرة الصوتية المشحونة بالمحالات
ونَحْنُ الحاكِمُونَ إذا أُطِعْنا ... ونَحْنُ العازِمُونَ إذا عُصِينا
ونَحْنُ التّارِكُونَ لِما سَخِطْنا ... ونَحْنُ الآخِذُونَ لِما رضينا
بأنّا المُطْعِمُونَ إذا قَدَرْنا ... وَأَنّا المُهْلِكُونَ إذا ابْتُلِينا
وأنَا المانِعُونَ لِما أرَدْنا ... وَأَنّا النّازِلُونَ بحَيْثُ شِينا
وأنا التّارِكُونَ إذا سَخِطْنا ... وَأَنّا الآخِذُونَ إذا رَضِينا
وأَنّا العاصِمُون إذا أُطِعْنا ... وَأَنّا العازِمُونَ إذا عُصِينا
وَنَشْربُ إنْ وَرَدْنا الماءَ صَفْواً ... وَيَشْرَبُ غَيْرُنا كَدِراً وطِينا
¥