تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أَنَّهُ بَعْد أَنْ قَالَ ذَلِكَ اِسْتَفْهَمُوهُ بِصِيغَةِ الْأَمْر بِالِاسْتِفْهَامِ أَيْ اِخْتَبِرُوا أَمْرَهُ بِأَنْ يَسْتَفْهِمُوهُ عَنْ هَذَا الَّذِي أَرَادَهُ وَابْحَثُوا مَعَهُ فِي كَوْنه الْأَوْلَى أَوْ لَا. وَفِي قَوْله فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: " فَاخْتَصَمُوا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول قَرِّبُوا يَكْتُب لَكُمْ " مَا يُشْعر بِأَنَّ بَعْضهمْ كَانَ مُصَمِّمًا عَلَى الِامْتِثَال وَالرَّدّ عَلَى مَنْ اِمْتَنَعَ مِنْهُمْ، وَلَمَّا وَقَعَ مِنْهُمْ الِاخْتِلَاف اِرْتَفَعَتْ الْبَرَكَة كَمَا جَرَتْ الْعَادَة بِذَلِكَ عِنْد وُقُوع التَّنَازُع وَالتَّشَاجُر. وَقَدْ مَضَى فِي الصِّيَام أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُخْبِرهُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْر فَرَأَى رَجُلَيْنِ يَخْتَصِمَانِ فَرُفِعَتْ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: إِنَّمَا جَازَ لِلصَّحَابَةِ الِاخْتِلَاف فِي هَذَا الْكِتَاب مَعَ صَرِيح أَمْره لَهُمْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَوَامِر قَدْ يُقَارِنهَا مَا يَنْقُلهَا مِنْ الْوُجُوب، فَكَأَنَّهُ ظَهَرَتْ مِنْهُ قَرِينَة دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْأَمْر لَيْسَ عَلَى التَّحَتُّم بَلْ عَلَى الِاخْتِيَار فَاخْتَلَفَ اِجْتِهَادهمْ، وَصَمَّمَ عُمَر عَلَى الِامْتِنَاع لِمَا قَامَ عِنْده مِنْ الْقَرَائِن بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ عَنْ غَيْر قَصْد جَازِم، وَعَزْمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِمَّا بِالْوَحْيِ وَإِمَّا بِالِاجْتِهَادِ، وَكَذَلِكَ تَرْكه إِنْ كَانَ بِالْوَحْيِ فَبِالْوَحْيِ وَإِلَّا فَبِالِاجْتِهَادِ أَيْضًا، وَفِيهِ حُجَّة لِمَنْ قَالَ بِالرُّجُوعِ إِلَى الِاجْتِهَاد فِي الشَّرْعِيَّات. وَقَالَ النَّوَوِيّ: اِتَّفَقَ قَوْل الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ قَوْل عُمَر " حَسْبنَا كِتَاب اللَّه " مِنْ قُوَّة فِقْهه وَدَقِيق نَظَره، لِأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَكْتُب أُمُورًا رُبَّمَا عَجَزُوا عَنْهَا فَاسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَة لِكَوْنِهَا مَنْصُوصَة، وَأَرَادَ أَنْ لَا يَنْسَدّ بَاب الِاجْتِهَاد عَلَى الْعُلَمَاء. وَفِي تَرْكه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِنْكَار عَلَى عُمَر إِشَارَة إِلَى تَصْوِيبه رَأْيه، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: " حَسْبنَا كِتَاب اللَّه " إِلَى قَوْله تَعَالَى: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ). وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَصَدَ التَّخْفِيف عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى مَا هُوَ فِيهِ مِنْ شِدَّة الْكَرْب، وَقَامَتْ عِنْده قَرِينَة بِأَنَّ الَّذِي أَرَادَ كِتَابَته لَيْسَ مِمَّا لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ، إِذْ لَوْ كَانَ مِنْ هَذَا الْقَبِيل لَمْ يَتْرُكهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَجْلِ اِخْتِلَافهمْ، وَلَا يُعَارِض ذَلِكَ قَوْل اِبْن عَبَّاس إِنَّ الرَّزِيَّة إِلَخْ، لِأَنَّ عُمَر كَانَ أَفْقَه مِنْهُ قَطْعًا. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَمْ يَتَوَهَّم عُمَر الْغَلَط فِيمَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيد كِتَابَته، بَلْ اِمْتِنَاعه مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ لَمَّا رَأَى مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْكَرْب وَحُضُور الْمَوْت خَشِيَ أَنْ يَجِد الْمُنَافِقُونَ سَبِيلًا إِلَى الطَّعْن فِيمَا يَكْتُبهُ وَإِلَى حَمْله عَلَى تِلْكَ الْحَالَة الَّتِي جَرَتْ الْعَادَة فِيهَا بِوُقُوعِ بَعْض مَا يُخَالِف الِاتِّفَاق فَكَانَ ذَلِكَ سَبَب تَوَقُّف عُمَر، لَا أَنَّهُ تَعَمَّدَ مُخَالَفَة قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجَوَاز وُقُوع الْغَلَط عَلَيْهِ حَاشَا وَكَلَّا. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْح حَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي أَوَاخِر كِتَاب الْعِلْم، وَقَوْله: " وَقَدْ ذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَنْهُ " يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد يَرُدُّونَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدُوا عَلَيْهِ مَقَالَته وَيَسْتَثْبِتُونَهُ فِيهَا، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد يَرُدُّونَ عَنْهُ الْقَوْل الْمَذْكُور عَلَى مَنْ قَالَهُ.

قَوْله: (فَقَالَ دَعُونِي: فَاَلَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْر مِمَّا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير