[علو الهمة]
ـ[*عابرسبيل*]ــــــــ[09 - 02 - 2008, 03:51 م]ـ
[علو الهمة]
إعداد: سيد محمد بن جدو
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذه ورقة أحببت أن أجعلها تنبيهاً لأصحاب الهمم العالية، واستنهاضاً وتحريكاً لمن قصرت بهم هممهم عن الحرص على معالي الأمور، وقد راعيت فيها الإيجاز، وحرصت على وضوح الفكرة –قدر المستطاع- والله أسأل أن يجعل كل ذلك خالصاً لوجهه الكريم.
تعريف علو الهمة: الهمة في اللغة: ما هم به من الأمر ليفعل.
الهمة في الاصطلاح: الباعث على الفعل، وعرف بعضهم علو الهمة بأنه: استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور. قال الشاعر مصوراً طموح المؤمن
إذا كنت في أمر مروم ... فلا تقنع بما دون النجوم
وعرف ابن القيم علو الهمة بقوله:
"علو الهمة ألا تقف -أي النفس- دون الله وألا تتعوض عنه بشيء سواه ولا ترضى بغيره بدلاً منه ولا تبيع حظها من الله وقربه والأنس به والفرح والسرور والابتهاج به بشيء من الحظوظ الخسيسة الفانية، فالهمة العالية على الهمم كالطائر العالي على الطيور لا يرضى بمساقطهم ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليهم، فإن الهمة كلما علت بعدت عن وصول الآفات إليها، وكلما نزلت قصدتها الآفات" (1).
الحث على علو الهمة والتحذير من سقوطها:
قال الخليفة عمر الفاروق رضي الله عنه: "لا تصغرنّ همتك فإني لم أر أقعد بالرجل من سقوط همته" (2).
وقال ابن القيم: "لا بد للسالك من همة تسيره وترقيه وعلم يبصره ويهديه" (3).
وقال ابن نباتة رحمه الله:
حاول جسيمات الأمور ولا تقل ... إن المحامد والعلى أرزاق
وارغب بنفسك أن تكون مقصرا ... عن غاية في الطلاب سباق
أقسام الهمة:
تُقَسَّم الهمة تقسيمين فتقسم من حيث الرفعة وضدها إلى عالية وساقطة.
وتقسم من حيث الاستعداد الفطري إلى وهبية ومكتسبة.
وليس معنى أن منها ما هو فطري أنها لا سبيل لزيادة رفعتها بل هي مثل باقي الصفات العقلية والخلقية كالذكاء والذاكرة وحسن الخلق. قال ابن القيم: "وقد عرفت بالدليل أن الهمة مولودة مع الآدمي، وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات فإذا حثثت سارت ومتى رأيت في نفسك عجزاً فَسَلِ المنعم أو كسلاً فالجأ إلى الموفق، فلن تنال خيراً إلا بطاعته، ولن يفوتك خير إلا بمعصيته" (4).
مراتب الهمم:
عن أبي كبشة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه ما نقص مال من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر، أو كلمة نحوها، وأحدثكم حديثاً فاحفظوه قال: إنما الدنيا لأربع نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعلمت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء، قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح" (5).
وعلى نحو هذا التقسيم والتمثيل النبوي ينقسم الناس وتتفاوت منازلهم في الهمة:
1 – منهم من يطلب المعالي بلسانه وليس له همة في الوصول إليها ويصدق عليه قول الشاعر:
وما نيل المطالب بالتمني ... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
2 – ومنهم من لا يطلب إلا سفاسف الأمور ودناياها ويجتهد في تحصيلها، وهذا –إن اهتدى– يكون سباقاً للخيرات: "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا".
3 – وفريق ساقط الهمة يهوى سفاسف الأمور ويقعد به العجز عنها، فهو من سقط المتاع وهو كمن وصف الشاعر:
إني رأيت من المكارم حسبكم ... أن تلبسوا خز الثياب وتشبعوا
فإذا تذوكرت المكارم يوما ... في مجلس أنتم به فتقنعوا (6)
4 – وأعلى الهمم همة من تسمو مطالبه إلى ما يحبه الله ورسوله فهنيئاً له ومن أمثالهم الأسلمي وعكاشة بن محصن وبين كل مرتبتين مراتب كثيرة تتفاوت فيها الناس تفاوتاً بينا.
وإذا استعرضنا التاريخ نجد أن العلية من الناس والقادة الذين تركوا أثرهم في التاريخ هم أصحاب الهمم العالية.
ومن أمثلتهم في القديم:
¥