تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مقالٌ أعجبني .. لغتُنا والتَّحدياتُ الرَّاهنة

ـ[خالد مغربي]ــــــــ[07 - 02 - 2008, 08:16 م]ـ

للكاتب والباحث السوري / حسين حمدان العساف

لا أحسبني أجانب الحق في شيء إذا زعمت أن العرب كانوا في الماضي أشد الأمم حرصاً على لغتهم، وأكثرهم اعتزازاً بها، فمنذ وقت بعيد جداً حين رأى العرب اللحن يتسرب إلى لسانهم بسبب اختلاطهم بالأعاجم، انبرى أعلام لغتهم، يلتقطون لغتهم الفصيحة من أفواه أهل البادية من العرب الأقحاح، لا تثنيهم عن أداء مهمتهم مسافات بعيدة، أو مشقّات جسيمة، و أخذوا يدوّنون لغتهم الفصيحة على مراحل منذ منتصف القرن الثاني للهجرة في الرسائل، ثم الكتب فالمعجمات: معجمات الألفاظ ومعجمات المعاني، فتقدمت اللغة بتقدم العرب، ورافقت حضارتهم إلى بقاع جديدة في العالم، ملأتها، وغدت يومذاك لغة عالمية، أقبل على إتقانها العلماء والمفكرون والأدباء والفلاسفة من غير العرب، كما يقبل هؤلاء اليوم على إتقان لغة عالمية، تكون منفذاً، يعبر منه نتاجهم إلى العالم.

وترجمت في تلك الفترة، الكتب العربية الإسلامية من طب وفلك وفلسفة ورياضيات ودين وأدب إلى اللغة اللاتينية لتدرّس في جامعات أوربا، ولمّا انحسر سلطان العرب، وأفل نجمهم، انكفأت العربية على ذاتها، و لاذت آخر المطاف بالمساجد والكتاتيب، وتناولها أعداؤها قدحاً وتشهيراً، وسعوا للقضاء عليها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، متهمين إيّاها بالتخلف والجمود، وبعدم قدرتها على مواكبة التطور، و مسايرة العصر، و راحوا ينشطون في الدعوة إلى إحلال اللهجات العامية مكانها، تعزّز مواقفهم الحاقدة الظروف القاسية الصعبة التي كانت اللغة العربية تئن تحت وطأتها، ومرّت لغتنا بأزمة قوية منذ أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، اجتازتها منتصرة، وهي تؤكد من جديد قدرتها على التطور والتجدد، وكشأنها في كل عصر ومصر، كان لها من يحرص عليها، ويدافع عنها، وكان أَن قام في القرن الماضي ((المجمع العلمي العربي)) في دمشق (1919) ثم قام ((المجمع الملكي)) في القاهرة (1932) ثم اتحد المجمعان في مجمع واحد أيام الوحدة سنة (196.) باسم ((مجمع اللغة العربية)) ثم توالى قيام مجامع لغوية أخرى في عدد من البلاد العربية، فحقّقت لغتنا العربية انتصارات باهرة، حيث أصبحت لغة رسمية في هيئة الأمم لمتحدة، وفي المنظمات الدولية، وبدأت تنتشر في الدول الإسلامية، وفي دول آسيا وأفريقية، واستطاعت مجامعنا اللغوية والعلمية، بفضل جهود أعضائها على اختلاف اختصاصاتهم الذين نذروا أنفسهم، كأسلافهم الأوائل دفاعاً عن اللغة العربية، أن تبرهن على مرونة هذه اللغة ورشاقتها وحيويتها، وقدرتها على التطور، وتلبية حاجات العصر، بما تتمتع به من ميزة في بنيتها هي الاشتقاق والنحت، فأنجزت آلاف المصطلحات العلمية والألفاظ الجديدة، وأوجدت تسميات عربية أو معربة لآلاف المبتكرات الجديدة، كما أنجزت عدداً من المعجمات العلمية واللغوية، بينها ((معجم القرآن الكريم)) ورغم ذلك، فإنَّ مجامعنا اللغوية والعلمية، مازالت تواجه تحديات، تزداد يوماً بعد يوم، لا سبيل إلى نكرانها أو تجاهلها، أهمها:

1 - غزو الغرب الحضاري المتقدم للشرق المتخلف، واكبه غزو لغوي، نتج عنه سيل أخذ يتدفق كل يوم من الألفاظ والمصطلحات والتسميات الأجنبية لمبتكرات الغرب المادية و إنجازاته، ملأ حياتنا الثقافية والفكرية، ودخل بيوتنا وشوارعنا وأسواقنا ولهجاتنا، وحاصر لغتنا في أرضها، وبين أهلها، عجزت أَن تتصدى له وحدها مجامعنا اللغوية والعلمية، فلم تستطع احتواء هذا السيل، أو التخفيف من أخطاره، أو تحويله إلى سيل عربي أو معرّب إِن جاز هذا التعبير.

2 - غياب القرار السياسي الذي يعزّز دور اللغة العربية ومجمعها اللغوي والعلمي، ولا شك أَنَّ اللغة العربية لغة رسمية في كل بلد عربي، وأَنَّ حركة التعريب أخذت تنشط في دول المغرب العربي تخلصاً من آثار اللغة الفرنسية المتغلغلة في مفاصلها الحيوية لتحلّ مكانها اللغة العربية، لكن اللغة العربية في واقع الحال لم تلق من دولها الدعم الذي يرتقي بها إلى مواجهة التحديات، رغم أَنها دعمتها بدرجات متفاوتة. إِن غياب القرار السياسي، وإن شئت، فقل: إِنَّ غياب الإرادة في اتخاذ القرار السياسي الذي يشدّ من أزر اللغة، ويرتقي إلى مستوى الحدث، تمثل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير