يقول الله ـ عز وجل ـ: ((مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ وأَقَامَ الصَّلاةَ وآتَى الزَّكَاةَ ولَمْ يَخْشَ إلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئَكَ أَن يَكُونُوا مِنَ المُهْتَدِينَ)) [التوبة: 17، 18].
وهكذا الحال بالنسبة لبعض المنتسبين لهذه الأمة في التزامهم بعض شعائر الإسلام وتركهم كثيراً منها؛ فذلك شبه باليهود الذين أنكر الله عليهم بقوله: ((أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إلاَّ خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ويَوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إلَى أَشَدِّ العَذَابِ ومَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)) [البقرة: 85]. كحال من يكتفي من الإسلام بصيام رمضان، أو الإحسان إلى الناس مثلاً، مع فساد المعتقد، أو إهمال الصلوات، أو الركون إلى الكفرة وتوليهم.
2 - مخالفة أهل الكتاب من أعظم مقاصد الشريعة (51):
مخالفة الكفار من أبرز مظاهر تحقيق البراء من الكافرين الذي لا يتم الإيمان إلا به، وقد شدد الشارع على المتشبهين بهم، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" (52)، وقد ذكر ابن تيمية أن هذا أقل أحواله التحريم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم (53).
وفي ترك إفراد عاشوراء بالصوم درس عظيم، فإنه مع فضل صوم ذلك اليوم، وحث النبي صلى الله عليه وسلم على صومه، وكونه كفارة سنة ماضية .. إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بمخالفة اليهود فيه، وعزم على ضم التاسع إليه، فوقعت المخالفة في صفة ذلك العمل، مع أن صوم عاشوراء مشروع في الشريعتين، أو أنه مشروع لنا وهم يفعلونه، فكيف بما كان دون ذلك من المباح أو المحرم وما كان من شعائر دينهم؟! لا شك أن في ذلك من المفاسد ما لا يظهر أكثره لأكثر الخلق (54).
أما اقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على صوم عاشوراء أولاً فقد كان قبل أن يؤمر بمخالفة أهل الكتاب، وقد كان قبل ذلك يحب موافقتهم فيما لم يؤمر فيه بشيء (55)، واحتمل أن يكون صومه "استئلافاً لليهود كما استألفهم باستقبال قبلتهم، وعلى كل حال فلم يصمه اقتداءاً بهم؛ فإنه كان يصومه قبل ذلك" (56).
والإسلام منهج وسط في الاتباع، حاديه دائماً الحق المجرد؛ ففعل المشركين لِحَقٍّ لا يسوِّغ ترك هذا الحق بدعوى مخالفتهم، كما أن فعلهم لباطل لا يسوِّغ متابعتهم فيه بدعوى موافقتهم لتأليف قلوبهم، وعليه: تنتفي الدوافع المتوهمة للإعجاب بحال أي مبطل أو متابعته في باطله أو ترك حق لأنه فعله؛ إذ مقياس قبول الأحوال توافقها مع الشرع، وميزان المخالفة ما كان من خصائص مِلَّتهم وشعائر دينهم، وبين هذا وهذا درجات لا مجال لتفصيلها.
3 - حقيقة الانتماء:
علَّل اليهود صيامهم عاشوراء بمتابعتهم موسى \ حين صامه شكراً لله على إنجائه له من فرعون. وهاهنا أمران:
أولهما: هل يكفي صيامهم عاشوراء برهاناً للمتابعة وسبباً للأولوية بموسى \؟
وثانيهما: هل وقع لهم ما أرادوا من موافقة عاشر المحرم (عاشوراء) فعلاً؟
أما الأول: فلا يكفي صومهم عاشوراء أن يقوم دليلاً لكونهم أوْلى بموسى \؟ أبداً؛ إذ الحكم في ذلك بحسب تمام المتابعة والتزام المنهج، قال الله ـ عز وجل ـ: ((إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وهَذَا النَّبِيُّ والَّذِينَ آمَنُوا واللَّهُ ولِيُّ المُؤْمِنِينَ)) [آل عمران: 68].
ولذا كان نبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم وأتباعه أوْلى بنبي الله موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ من الأمة الغضبية، فقال: "نحن أحق وأوْلى بموسى منكم" (57).
¥