والفلاسفة الإسلاميون أنفسهم متفاوتون في أصولهم، فـ "ابن سينا" على سبيل المثال، مع عظم ضلاله في باب الإلهيات، أقرب إلى أصول الإسلام من "الفارابي"، وكتبه: إذا قرأها "الملحد" استفاد: نوع إسلام، وإن شئت الدقة: نوع تعريف به، وإذا قرأها "المسلم" أصابه: نوع إلحاد، إن لم تشرق شمس النبوة في قلبه ابتداء، كما أشار إلى ذلك ابن تيمية، رحمه الله، في: "الأصفهانية"، فهو: مرحلة انتقالية بين: الكفر والإسلام!!!، وهو صاحب مشروع: "أسلمة الفلسفة"، إن صح التعبير، إذ هذب مباحث الفلاسفة وألبسها ثوبا مستعارا من ألفاظ الوحي دون معانيها، في كتابه: "الإشارات"، فكان ثوب: زور لم يغير من الحقائق شيئا، وإن اختلفت الألفاظ، فالعقل الفعال عند الفلاسفة هو: جبريل عليه الصلاة والسلام عند المسلمين!!!، وشتان.
ومشروع تقريب أي فكر كفري إلى: الإسلام، دين الأنبياء، مشروع فاشل بكل المقاييس، لأنه جمع بين متناقضين!!!
وكان لنشأة ابن سينا في أسرة إسماعيلية باطنية أبلغ الأثر في تأويلاته الباطلة التي خاض فيها بلا هاد يهديه.
وقد أشار ابن كثير، رحمه الله، إلى قول حكي عنه يثبت رجوعه عن هذا الباطل إلى ملة الإسلام، وللأمانة: كان ابن سينا من المعظمين للأنبياء، بخلاف غيره من المتفلسفة أمثال: ابن سبعين، ولكنه كغالب الفلاسفة كان رجلا: حاد الذكاء، عديم "الزكاء"، نرجسيا، إن صح التعبير، كحال غالب الأذكياء المعتدين بأنفسهم، فأشاد بحكمة الأنبياء: "العملية" في باب الشرائع والأحكام، وعزلهم عن القيادة في باب الحكمة "العلمية" المتعلقة بالعقائد والغيبيات التي لا تعلم إلا بخبر الوحي الصادق، إذ هي غيب محض لا سبيل إلى إدراكه بتخمينات وافتراضات العقول.
وكان لابن سينا: مباحث قيمة في الطبيعيات التي تألق فيها كأحد أشهر الأطباء الذين انتسبوا إلى الحضارة الإسلامية المجيدة، بل لعله من أشهر الأطباء الذين أنجبتهم الحضارة الإنسانية.
وكغالب الفلاسفة كانت له مباحث قيمة في علوم: "الفلك".
وكما يقول أحد الفضلاء عندنا في مصر: لو طلبت من أعقل العقلاء أن يخبرك خبرا جازما لا يتطرق الشك إليه عما وراء الجدار، فإنه لا يملك إلا الظن، لأن معرفة هذا الغيب، مع كونه نسبيا، على وجه اليقين، أمر محال، ولو أرسلت طفلا أو رجلا سفيها ضعيف العقل إلى ما وراء الجدار، فأبصر ما وراءه، وأخبرك، فخبره، مع قصور عقله، مقدم على ظن أذكى أذكياء العالم، لأن الباب: خبري، لا مجال للعقل فيه.
فكيف إذا كان الخبر: غيبا مطلقا، يتعلق بالباري، عز وجل، وبدء الخليقة .......... إلخ، مما يستحيل الخوض فيه بمقاييس فلسفة اليونان، فلا يتلقى إلا من أخبار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكيف إذا كان المخبر هنا: أكمل الناس عقولا، وأزكاهم أنفسا، وأعلمهم بالله، عز وجل، وأقدرهم على البيان، وأنصحهم للخلق، الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كيف يعدل عن خبر هؤلاء إلى خبر أولئك الحيارى الضلال؟!!!.
إن العصمة، كل العصمة في اتباع الوحي المعصوم، وقد كان هذا سر تألق الجيل الأول: أصحاب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، خير من وطئ الثرى بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إذ عزلوا عقولهم، وولوا الوحي المعصوم الذي نزل به الروح الأمين على قلب خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام.
ولسان حالهم: ماذا قال ربنا؟ ليعملوا، ولسان حال من بعدهم: لم قال ربنا، ليجادلوا!!!!، فاستحق الأولون قيادة البشرية، وصار الآخرون في ذيل الأمم.
يقول أبو ذر رضي الله عنه: لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما.
وفي صحيح ابن حبان، رحمه الله، من حديث: أمية بن عبد الله بن خالد، أنه قال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إنا نجد صلاة الحضر، وصلاة الخوف في القرآن، ولا نجد صلاة السفر في القرآن؟ فقال له عبد الله: «يا ابن أخي، إن الله بعث إلينا محمدا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئا، فإنما نفعل كما رأيناه يفعل»
فجميع أصول الدين وفروعه قد بينها المعصوم، عليه الصلاة والسلام، وإن لم ينص على آحاد الفروع الحادثة، إذ حوت جوامع كلمه قواعد كلية تغطي أي فرع حاث في العمليات، وبيانه في العلميات: أكمل بيان، وليس بعد البيان النبوي بيان.
والله أعلى وأعلم.
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[17 - 01 - 2008, 02:28 م]ـ
بارك الله لك أخي المهاجر على هذا التفصيل الممتع عن الفلسفة ... والتي نحن بغنى عنها لتعقيدها الأمور، وكما ترى الناس أصبحوا يتندرون بها على الأغلب، وهذا هو مقصدنا هنا.
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[17 - 01 - 2008, 02:29 م]ـ
دخل الأستاذ الصف ولأول مرة يقرر درس الفلسفة في المنهاج لهذا الصف، أحد الطلاب رفع يده ليسأل الأستاذ عن معنى الفلسفة وفي أي المجالات تفيدنا؟
فقال الأستاذ موضحاً ذلك بمثال للطلاب:
لو أنه عندنا منجماً للفحم ورأينا شخصين اثنين خرجا من هذا المنجم
واحد ثوبه أسود متسخ والآخر ثوبه أبيض ناصع ...
برأيك أي الثوبين يحتاج الى غسيل؟!
رد الطالب وبدون تردد طبعاً،الثوب الأسود المتوسخ بحاجة للغسيل ...
أجاب أستاذ الفلسفة على الفور:
هنا يأتي دور الفلسفة لتقول رأيها في الأمر ...