تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقيد القلم هذا، آفة لا انفكاك منها لأسباب سياسية واجتماعية وتجارية إلخ ... ليست محل موضوعنا، وكم ضاعت بأسبابه حقوق، وكم بنان عجز عن حمل قلم ليسطر سطرا واحدا لرهبة أو قهر، لا يستطيع القلم أن يلهج بكل ماتصدقه به سريرته، فالصدق شيء وإظهار الصدق شيء مغاير، وشتان ما بين الأمرين.

ورغم هذا فالقلم ينفرد عن اللسان بصفة لا يمكن أن يشاركه اللسان بها وليس بمقدوره ذلك، لسان القلم يستطيع أن يسطر ألوان المعاناة وهو صامت لا يحكي لأحد!، بينما صمت اللسان ينقل المهمة إلى عضو آخر من الإنسان لا يعلم اللسان عنها شيئا!، قال الشاعر:

تكلم وسدد ما استطعت فإنما ... كلامك حي والسكوت جماد

وإن لم تجد قولا سديدا تقوله ... فصمتك عن غير السداد سداد

هذا الشعر الجميل لأبي الفتح البستي لم يكن ليصل إلينا لولا تقييد القلم وحفظه،ويقابله قول الشاعر:

وما من كاتب إلا سيفنى ... ويبقي الدهر ماكتبت يداه

فلا تكتب بكفك غير شيء ... يسرك في القيامة أن تراه

هذه الحقائق لاتعارض حقيقة الترابط العضوي بين التفكير واللسان على اعتبار أن التفكير يعد من الكلام النفسي في حين أن الكلام تفكير جهري، يقول الأخطل:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الكلام دليلا

وهذا مصداق للقول المأثور: من كتب كتابا فقد عرض عقله على الناس!

ومما لاشك فيه أن التلازم والاتحاد بين اللسان والعقل في عملية النطق يعد من الحقائق الثابتة،وينتج عن عدم التلازم بينهما التلعثم والتخبط في وظيفة اللسان لأن المتلعثم عطل العقل وترك اللسان يهرف بغير ضابط فكري فخرج الكلام بلا وزن ولا نظام.

وهذا العيب لانجده في القلم إلا النزر اليسير لأن القلم يتمتع بحرية فضفاضة وآصرته مع الكاتب مرتبطة بالخلوة واستراحة الذهن في أغلب الأحيان، في حين نجد اللسان متعثرا بين أمراضه الموسمية من تمتمة وتأتأة ولجلجة وغيرها.

فلنعرف مقام القلم ... ودمتم سالمين

أبو سارة

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير