وقال أبو حامد: والإدلال وراء العجب، فلا مدلّ إلا وهو معجب، وربّ معجب لا يدلّ، إذ العجب يحصل بالاستعظام ونسيان النعمة، دون توقع جزاء عليه، والإدلال لا يتم إلا مع توقع الجزاء، فإذا توقع إجابة دعوته، واستنكر ردها بباطنه، وتعجب منه كان مدلاًّ بعلمه، لأنه لا يتعجب من رد دعاء الفاسق، ويتعجب من ردّ دعاء نفسه لذلك، فهذا هو العجب والإدلال وهو من مقدمات الكبر وأسبابه.
أسباب العجب
1 - الجهل، والغريب أن بعض الناس يعجب بعمله ومعرفته لمسائل الخلاف وأقوال العلماء، ولو علم أن إعجابه بعلمه يدل على جهله لما كان من المعجبين بأنفسهم، قال أبو حامد: وعلّة العجب: الجهل المحض، فعلاجه المعرفة المضادة لذلك الجهل فقط.
2 - قلة الورع والتقوى.
3 - ضعف المراقبة لله عز وجل.
4 - قلّة الناصح.
5 - سوء النية وخبث المطية.
6 - إطراء الناس للشخص وكثرة ثنائهم عليه مما يعين عليه الشيطان.
7 - الافتتان بالدنيا وتباع الهوى والنفس الأمارة بالسوء.
8 - قلة الفكر؛ لأنه لو تفكر لعلم أن كل نعمة عنده هي من الله.
9 - قلة الشكر لله عز وجل.
10 - كثرة الذكر لله عز وجل.
11 - عدم تدبر القرآن والسنة النبوية.
12 - الأمن من مكر الله عز وجل والركون إلى عفوه ومغفرته.
مظاهر العجب
مظاهر العجب كثيرة منها:
1 - رد الحق واحتقار الناس.
2 - تصعير الخد.
3 - عدم استشارة العقلاء والفضلاء.
4 - الاختيال في المشي.
5 - استعظام الطاعة واستكثارها.
6 - التفاخر بالعلم والمباهاة به.
7 - الغمز واللمز.
8 - التفاخر بالحسب والنسب وجمال الخِلقة.
9 - تعمد مخالفة الناس ترفعاً.
10 - التقليل من شأن العلماء الأتقياء.
11 - مدح النفس.
12 - نسيان الذنوب واستقلالها.
13 - توقع الجزاء الحسن والمغفرة وإجابة الدعاء دائماً.
14 - الإصرار على الخطأ.
15 - الفتور عن الطاعة لظنه أنه قد وصل إلى حد الكمال.
16 - احتقار العصاة والفساق.
17 التصدر قبل التأهل.
18 - قلة الإصغاء إلى أهل العلم.
مجالات العجب وعلاجه
ذكر أبو حامد أن العجب يكون بثمانية أمور وذكر علاج كل واحد منها:
الأول: أن يعجب ببدنه:
في جماله وهيئته وصحته وقوته، وتناسب أشكاله وحسن حورته وحسن صوته، فيلتفت إلى جمال نفسه، وينسى أنه نعمة من الله تعالى، وهو معرض للزوال في كل حال. .وعلاجه: هو التفكر في أقذار بطنه في أول أمره، وفي آخره، وفي الوجوه الجميلة والأجسام الناعمة كيف أنها تمزقت في التراب وأنتنت القبور، حتى استقذرها الطباع.
الثاني: العجب بالبطش والقوة:
كما حكي عن قوم عادٍ أنهم قالوا {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [15: سورة فصلت].
وعلاجه: أن يشكر الله تعالى على ما رزق من العقل، ويتفكر أنه بأدنى مرض يصيب دماغه يوسوس ويجن بحيث يُضحك منه، فلا يأمن أن يسلب عقله إن أعجب به، ولم يقم بشكره، وليعلم أنه ما أوتي من العلم إلا قليلا، وأن ما جهله أكثر مما عرفه.
الثالث: العجب بالنسب الشريف:
حتى يظن بعضهم أنه ينجو بشرف نسبه ونجاة آبائه وأنه مغفور له، ويتخيل بعضهم أن جميع الخلق له موالٍ وعبيد!
وعلاجه: أن يعلم أنه مهما خالف آباءه في أفعالهم وأخلاقهم وظنّ أنه ملحق بهم فقد جهل، وإن اقتدى بآبائه فما كان من أخلاقهم العجب، بل الخوف والازدراء على النفس ومذمتها، ولقد شرفوا بالطاعة العلم والخصال الحميدة لا بالنسب، فليتشرف بما شرفوا به.
ولقد ساواهم في النسب وشاركهم في القبائل من لم يؤمن بالله واليوم الآخر، وكانوا عند الله شرًّا من الكلاب وأخسَّ من الخنازير، ولذلك يبين الله تعالى أن الشرف بالتقوى لا بالنسب، فقال {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [13: سورة الحجرات].
الرابع:العجب بنسب السلاطين الظلمة وأعوانهم دون نسب الدين والعلم، وهذا غاية الجهل.
وعلاجه: أن يتفكر في مخازيهم وما جرى لهم من الظلم على عباد الله والفساد في دين الله، وأنهم الممقوتون عند الله تعالى، ولو نظر إلى صورهم في النار وأنتانهم وأقذارهم لاستنكف منهم، ولتبرأ من الانتساب إليهم ..
الخامس: العجب بكثرة العدد:
من الأولاد والخدم والعشيرة والأقارب والأنصار والأتباع، كما قال الكفار: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا} [35: سورة سبأ].
وعلاجه: أن يتفكر في ضعفه وضعفهم، وأن كلهم عبيد عجزة، لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعا، ثم كيف يعجب بهم وأنهم سيتفرقون عنه إذا مات، فيدفن في قبره ذليلاً مهيناً وحده لا يرافقه أهلٌ ولا ولد ولا قريبٌ ولا حميمٌ ولا عشير ٌ.
السادس: العجب المال:
كما قال تعالى إخباراً عن صاحب الجنتين {أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} [34: سورة الكهف].
وعلاجه: أن يتفكر في آفات المال وكثرة حقوقه وعظيم غوائله، وينظر إلى فضيلة الفقراء وسبقهم إلى الجنة يوم القيامة، وإلى أن المال غادٍ ورائح ولا أصل له، وإلى أن في اليهود من يزيد عليه في المال، وإلى قوله صلى الله عليه وسلم ((بينما رجل يتبختر في حلةٍ له، قد أعجبته نفسه إذا خسف الله به، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة)) [متفق عليه]. وأشار به إلى عقوبة إعجابه بماله ونفسه.
السابع: العجب بالرأي الخطأ:
قال تعالى {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [8: سورة فاطر]. وقال تعالى: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [104: سورة الكهف]. وجميع أهل البدع والضلال إنما أصروا عليها لعجبهم بآرائهم.
وعلاجه: أن يكون متَّهماً لرأيه أبداً لا يغترُّ به إلا أن يشهد له قاطع من كتاب أو سنة أو دليل عقلي صحيح جامع لشروط الأدلة، فإن خاض في الأهواء والبدع والتعصب في العقائد هلك من حيث لا يشعر.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
¥