ما نسبه السقاف إلى ابن عباس ومجاهد وقتادة ومنصور وابن زيد وسفيان من تأويل صفة اليد والرد عليه
قال السقاف: (وأوّل سيدنا ابن عباس ? أيضاً قوله تعالى: {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} قال: بقوة، كما في ((تفسير)) الحافظ ابن جرير الطبري (27/ 7)). حتى قال: (وقد نقل الحافظ ابن جرير في تفسيره (27/ 7) تأويل لفظة (أيد) الواردة في قوله تعالى: {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} بالقوة أيضاً عن جماعة من أئمة السلف منهم: مجاهد وقتادة ومنصور وابن زيد وسفيان)).
قلت:وهذا فيه نظر من حيث الإسناد عنهم، وسوف نبين علة إسناد كل خبر من هذه الأخبار فأقول وبالله التوفيق:
1 – خبر ابن عباس ?: أخرجه ابن جرير (27/ 6) من طريق: أبي صالح، عن معاوية، عن علي، عن ابن عباس به. قلت: وهذا سند ضعبف، فأبي صالح هو كاتب الليث وهو ضعيف من قبل حفظه، وعلى هو ابن أبي طلحة، متكلم في ضبطه، وروايته عن ابن عباس منقطعة، وقال ابن حبان: ((لم يره)).
2 – وأما خبر مجاهد – رحمه الله -: فراوية عنه ابن أبي نجيح ولم يسمع التفسير منه كما مر ذكره.
3 – وأما خبر سفيان – رحمه الله -: ففيه شيخ ابن جرير ابن حميد وهو ضعيف، ومهران وهو سيئ الحفظ. ولكن هو صحيح من قول قتادة، ومنصور بن المعتمر، وابن زيد، ولا حجة في تأويلهم لمخالفته للصحيح الثابت عن النبي ? في إثبات صفة اليد كما سوف يأتي ذكره وبيانه – إن شاء الله تعالى -. ثم إن هذا لا يعني أنهم لا يثبتون صفة اليد كما قد يتوهم، فتنبه.
وقد أنكر الإمام أحمد – رحمه الله – على من يقول: إن معنى اليد القوة. قال الإمام عبد الواحد بن عبد العزيز بن الحارث التميمي في ((اعتقاد الإمام أحمد)): ((وكان يقول: إن لله تعالى يدين، وهما صفة في ذاته ليستا بجارحتين وليستا بمركبتين، ولا جسم، ولا جنس من الأجسام، ولا صفة من جنس المحدود والتركيب والأبعاض والجوارح، ولا يقاس على ذلك، ولا مرفق، ولا عضد، و فيما يقتضي ذلك من إطلاق قولهم يد، إلا ما نطق القرآن به، أوصح عن رسول الله ? فيه. قال الله تعالى: {بل يداه مبسوطتان}. وقال رسول الله ?: ((كلتا يديه يمين)). وقال الله عز وجل: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي}. وقال: {والسموات مطويات بيمينه}. ويفسد أن تكون يد: القوة والنعمة، والفضل، لأن جمع يد ايد، وجمع تلك أياد، ولو كان اليد عنده القوة لسقطت فضيلة آدم، وثبت حجة إبليس)).
قلت:ولو كانت هذه الأخبار التي أوردها ابن جرير في التفسير ((التفسير)) حجة في الباب لكان أول من قال بها، ولتأول الآية، إلا أنه صرح بإثبات اليد لله عز وجل. قال الذهبي في ((الأربعين في صفات رب العالمين)). ((وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتاب ((التبصير في معالم الدين)): القول فيما أدرك علمه من الصفات خبراً، نحو إخباره أن سميع بصير، وأن له يدين بقوله: {بل يداه مبسوطتان})). وأنكر الخطيب البغدادي من يتأول اليد، فقال في ((الكلام على الصفات)) – بتحقيقنا -: ((فإذا قلنا: لله تعالى يد وسمع وبصر، فإنما هي صفات أثبتها الله تعالى لنفسه، ولا نقول: إن معنى اليد القدرة، ولا إن معنى السمع والبصر العلم، ولا نقول: إنها جوارح، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار، والتي هي جوارح وأدوات للفعل، ونقول: إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها)).
قلت: والخطيب منسوب إلى مذهب الأشعري، وفيه نظر. قال إبراهيم بن محمد بن الأزهر الصريفيني في ((المنتخب من السياق لتاريخ نيسابور)): ((وكان أشعري العقيدة)). ونقل الذهبي في ترجمة من ((السير)) (18/ 277): ((وقال عبد العزيز بن أحمد الكتاني: وكان يذهب إلى مذهب أبي الحسن الأشعري)).
فدل على ذلك أمرين:
? الأول: أن المنع من تأويل الصفات كان المذهب الأخير الغالب على الأشعري، إذ لو يكن، وكان التأويل هو ما مات عليه الأشعري لما نُسب الخطيب إليه وهو يقول بالمنع من التأويل.
¥