تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: يظهر للقارئ الكريم من كلام السقاف أنه يحاول بشتى الطرق – محاولة المستميت – أن يثبت أن التأويل والتفويض من مذاهب السلف. ولذلك أتى بكلام الإمام الترمذي، وهو كلام حسن رائق لاشوب فيه البتة، وهو حقيقة مذهب السلف، إلا أن السقاف المبتدع جاء ففسره كما يحب، فنسب إلى السلف ما ليس من مذهبهم البتة. فقال: (قوله: (لاتتوهم) معناه: يُصرف ظاهرها الذي يوهم مشابهة الله لخلقه، مع تفويض المعنى الحقيقي لله تعالى). وهذا ليس من مذهب أهل السنة والجماعة. وإنما معنى قولهم: (لا تتوهم): أي لا تتوهم أنها كصفات المخلوقين، ففيها نفي الشبه بصفات المخلوقين، لأنه سبحانه ليس كمثله شيء، والسبب في ذلك أن معنى الصفة معروفة عندهم في لغة العرب، فدفعوا التوهم في المشابهة في الكيفية. وهذا ولا شك بخلاف ما ذكره السقاف، فإنه قد نفى المعنى أيضاً، فهل يُعقل أنهم لم يكونوا يعرفون الفرق بين الوجه واليد، والفرق بين الرحمة والسمع، والفرق بين الاستواء والنزول؟!!

من نسب إليهم ذلك فقد خاض غمار الجهل، بل قد نسب نفسه إلى قول المعتزلة الملحدين. فهذا القول الذي بثه الخبيث من أنهم كانوا يفوضون المعنى يقتضى أنهم كانوا يثبتون للرب ما لا يعرفون معناه، بل وهو يجر إلى قول آخر، وهو إثبات الاسم دون الصفة، كما ذهبت المعتزلة، فهم يقولون: وهو سميع بلا سمع، بصير بلا بصر. وإنما كان مذهب السلف الصالح – رحمهم الله تعالى -: إجراء النصوص على ظاهرها، ولا يقولون كيف هذا، لأن الصفة ثابتة بنص الكتاب أو السنة أوكليهما، وهم يعرفون معنى الصفة إذا أطلقت، فيعرفون ماذا تعني كلمة وجه، ويد، واستواء، ونزول، وإلا لو كانوا لا يعرفونها من حيث المعنى لجل الله سبحانه وتعالى أن يخاطبهم بما لا يعلمون، فإنه لما خاطبهم، خاطبهم باللسان العربي – وهذا خلاف ما يعتقده السقاف!! – ومعاني هذه الصفات معروفة عندهم في اللسان العربي، إلا أنها لما أضيفت إلى الله تعالى لم يتعرضوا إلى كيفيتها، لأنه سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء.

وقد دل على ذلك دلالة قوية قول الإمام مالك – رحمه الله تعالى – لما سئل عن الاستواء، فأجاب: ((الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول .. )). فنفى الكيف، وأثبت المعنى، ألا تراه قال: الاستواء غير مجهول، أي معناه. ولكن السقاف قد حرّف هذا المفهوم، فقال: (الاستواء غير مجهول – أي أنه قد ذُكر في القرآن - .. ).

فأقول لهذا السخاف: وهل يذكر ربنا في القرآن ما لا يُعلم معناه؟!! وهو القائل في محكم التنزيل: {لسان الذين يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} {النحل:103}. قال شيخنا العلامة المحدث عبدالله بن يوسف الجديع – حفظه الله – في كتابه ((العقيدة السلفية)): ((السلف كانوا يعملون معاني الصفات، ويفرقون بينها بحسب ما دلت عليه مما تعرفه العرب من لسانها، فالعلم غير الحياة، والإتيان غير الاستواء على العرش، واليد غير الوجه، وهكذا سائر الصفات. وفي هذا إبطال قول الملحدين في أسماء الله وصفاته في حكايتهم مذهب السلف: أنهم كانوا مفوّضة!!، ويعنون بهذا أنهم لم يكونوا يعلمون معاني الصفات، ولا التمييز بينها، وأنها من المتشابه الذي يكلون العلم به إلى الله تعالى، وهذا معنى قولهم ((أمروها إذا جاءت)). وهذا القول من أفسد ما ينسب إلى السلف، وهو من الكذب والبهتان والافتراء البيّن، وذلك لأن الصفات إنما تُعرف بالوصوف، فإذا كان السلف يجهلون معانيها فكيف كانوا أعلم من غيرهم بالله تعالى؟! وبماذا عرفوه إذاً؟! إن هذا لمن أسوأ ما يُظن بهم ن وهم خير هذه الأمة، وفيهم أصحاب رسول الله ? الذين لم يقدر الله أحد مثلهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير