تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: وفي هذا أن مالكاً ينزه الله عن الحركة، ولا نقول: إنه ساكن، سبحان ربي العظيم الأعلى).

وكنت قد أجبت عن هذه الشبهة قبل تفصيلاً، ولا مانع من استحضار علة عدم ثبوت هذا الخبر هنا، وهي:

وهاء حبيب بن أبي حبيب، قال أحمد: ((ليس بثقة. . . . كان يكذب))، وأثنى عليه شراً وسوءاً، وقال أبو داود: ((كان من أكذب الناس) وفي رواية عنه: ((يضع الحديث) وقال النسائي: ((متروك الحديث، أحاديثه كلها موضوعة عن مالك))، ووهاه آخرون ذكرتهم هناك.

وصالح بن أيوب هذا مجهول.

وقد علق الذهبي على هذه الرواية بعد إيرادها في كتاب بقوله:

((قلت: لا اعرف صالحاً، وحبيب مشهور، والمحفوظ عن مالك – رحمه الله – رواية الوليد بن مسلم أن سأله عن أحاديث الصفات، فقال: أمروها كما جاءت بلا تفسير)).

وأما طريق ابن عبد البر ففيه جامع بن سوادة وهو متهم، وفيه علة أخرى ذكرتها في الموضع المشار إليه فلتراجع.

ثم وقفت للحافظ الكبير ابن رجب – رحمه الله – على تضعيفه لنسبة هذا القول إلى مالك، فقال في ((فتح الباري شرح صحيح البخاري)) له، وهو من أعظم الشروح على الإطلاق وصل فيه إلى جنائز (9/ 279):

((وقد تقدم عن مالك، وفي صحته عنه نظر)).

والسقاف فيما فعل تبع شيخه عبدالله بن الصديق الغمارى الذي يحذف من كلام العلماء ما يخالف مذهبه ن ويعكر مشربه.

وقد تصرف التلميذ تصرف أستاذه، لا أعلم لأي منهما السبق في هذا المضمار!!

فقال في كتابه: ((فتح العين بنقد كتاب الأربعين)) (ص:55):

(((باب: نقد باب إثبات نزوله إلى السماء الدنيا)) – بعد أن أورد حديث رفاعة عن عرابة الجهنى في النزول:

(قال الحافظ – [أي ابن حجر] – استدل به من أثبت الجهة، وقال: هي جهة العلو وأنكر ذلك الجمهور، لأن القول بذلك يفضي إلى التحيز، تعالى الله عن ذلك، وقد اختلف في معنى النزول أقوال: فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة، تعالى الله عن قولهم، ومنهم من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة، وهم الخوارج والمعتزلة، وهو مكابرة، ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمناً به على طريق الإجمال، منزها الله تعالى عن الكيفية والتشبيه وهم جمهور السلف، ومنهم من أوله على وجه يليق مستعمل في كلام العرب، ومنهم من أفرط في التأويل حتى كاد يخرج إلى نوع من التحريف، ومنهم من فصل بين ما يمون تأويله قريباً مستعملاً في كلام العرب، بين ما يكون بعيداً مهجوراً، فأول في بعض، وفوض في بعض، وهو منقول عن مالك، وجزم به من المتأخرين ابن دقيق العيد).

قلت: فمن يقرا هذا الكلام يظن للوهلة الأولى أن الإمام مالك قد أول وفوض في أحاديث النزول، هذا لأن الغمارى قد أسقط من الكلام ما يدل على خلاف ذلك.

فنص كلام ابن حجر في ((الفتح)) (3/ 23): (استدل به من أثبت الجهة، وقال: هي جهة العلو، وأنكر ذلك الجمهور، لأن معنى القول بذلك يفضي إلى التحيز، تعالى الله عن ذلك، وقد اختلف في معنى النزول على أقوال: فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة، تعالى الله عن قولهم، ومنهم من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة، وهم الخوارج والمعتزلة، وهو مكابرة، ومنهم من أجراه على ما ورد، مؤمناً به على طريق الإجمال، ومنزهاً الله تعالى الكيفية والتشبيه وهم جمهور السلف، {ونقله البيهقي عن الأئمة الأربعة، والسفيانين، والحمادين، والأوزاعي والليث، وغيرهم}، ومنهم من أوله على وجه ….).

فما أسقطه الغمارى يدل على دلالة قاطعة على أن مذهب الإمام مالك هو مذهب السلف من حيث الإيمان بصفة النزول، مع عدم الخوض في كيفيتها، وأن ما نقله الحافظ عن الإمام مالك في التأويل والتفويض فالأغلب أنه اعتمد في ذلك على الروايات الضعيفة الواردة عنه في ذلك، والتي سبق ذكرها، والتي لينها ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -، والله أعلم.


الجزء الثامن عشر
ذكر أقوال من أثبت النزول للرب عز وجل من أهل العلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير