ومنها خبر الآحاد الّذي اختلف أهل الأثر في إفادته الظّن أو العلم، والصّحيح أنّه يفيد العلم النّظري للمتمكّن في العلم إذا احتفّت به قرائن كموافقته لصريح القرآن أو تلقّته الأمّة بالقبول أو قام عليه إجماع بلفظه أو معناه أو متضمّناً له، ولا شكّ أنّ نصوص الأسماء والصّفات الّتي وصلت إلينا بالسّند المتّصل الصّحيح بطريق الآحاد هي من النّوع المفيد للعلم للقرائن العديدة الّتي احتفّت بها ومن أهمّها تلقّي الأمّة لها بالقبول، وإجماع الصّحابة على تلقّيها بالقبول وهذا طفحت به نصوص السّلف.
ولو فرض أنّها لم ترق لدرجة القطع فإنّ الشّرع عوّل على خبر الآحاد في العلميات والعمليات على حد سواء، ولا أدلّ على ذلك من إرساله الآحاد من أصحابه بالتّوحيد ليبلّغوه للنّاس، وهذا أمر مشهور لا يحتاج إلى تدليل.
. ومنها النّصوص الواردة عن الصّحابة رضوان الله تعالى عليهم: وإنّما جعلناها من أصول هذا العلم لأنّ العلماء عدّوا الحديث الموقوف الّذي لا مجال فيه للرّأي في حكم المرفوع، ولا شكّ أنّ أسماء الله وصفاته من الغيب الّذي لا يمكن أن يتكلّم فيه الصّحابي برأي أو قياس، إلاّ ما ثبت فيه تأثّره بما نقله مسلموا أهل الكتاب إلى المسلمين وهذا في الحقيقة قليل متميّز عرفه أهل السّنّة وبيّنوا مأخذه.
2. نصوص الصّفات كلّها محكمة ليس من المتشابه وليس فيها تشابه.
إلاّ إذا أردنا التّفصيل فنقول: محكم من حيث المعنى متشابه من حيث الكيفيّة، فكيفية الصّفات مما استأثر الله تعالى بعلمه.
لكن لا يُطلق على نصوص القرآن أنّها من المتشابه.
ثانياً: أقسام النّاس في نصوص الصفات
أوّلاً: أهل السّنّة: (الإيمان والتّسليم).
أهل السّنّة يؤمنون بما ورد عن الله تعالى من الأسماء والصّفات، ويقفون مع النّصوص الّتي ورد فيها الأسماء والصّفات موقف المؤمن المسلّم الموقن الّذي امتدحه الله تعالى بقوله: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتّقين الّذين يؤمنون بالغيب .. } وأجلّ الغيب وأعظمه هو الله تعالى بصفاته.
قال محمد بن الحسن: (اتّفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث الّتي جاءت بها الثقات عن رسول الله e في صفة الرب عزوجل من غير تفسيرولا وصف ولا تشبيه) 2.
قال الإمام أحمد رحمه الله: (ومن السّنّة اللازمة الّتي من ترك خصلة منها ولم يقلها ويؤمن بها لم يكن من أهلها: الإيمان بالقدر خيره وشرّه والتّصديق بالأحاديث فبه والإيمان بها لا يُقال لِم؟ وكيف؟ إنّما هو التّصديق بها والإيمان بها، ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد كُفي ذلك وأُحكم له فعليه الإيمان به والتّسليم له مثل الصّادق المصدوق وما كان مثله في القدر، ومثل أحاديث الرؤية كلّها وإن نبت عن الأسماع واستوحش منها المستمع فإنّما عليه الإيمان بها وأن لا يرد منها جزءاً واحداً) 3.
وقال أبو نعيم الأصبهاني: (طريقتنا طريقة المتّبعين الكتاب والسنة، فمما اعتقدوه أن الأحاديث الّتي ثبتت عن النبي e في الرعش واستواء الله يثبتونها ويقولون بها من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه) 4.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: (فصل ثم القول الشامل في جميع هذا الباب: أن يوصف الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله وبما وصفه به السابقون ; الأولون لا يتجاوز القرآن والحديث قال الإمام أحمد رضي الله عنه: لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتجاوز القرآن والحديث. ومذهب السلف: أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل ونعلم أن ما وصف الله به من ذلك فهو حق ليس فيه لغز ولا أحاجي ; بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه ; لا سيما إذا كان المتكلم أعلم الخلق بما يقول وأفصح الخلق في بيان العلم وأفصح الخلق في البيان والتعريف والدلالة والإرشاد. وهو سبحانه مع ذلك ليس كمثله شيء لا في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته ولا في أفعاله فكما نتيقن أن الله سبحانه له ذات حقيقة وله أفعال حقيقة: فكذلك له صفات حقيقة وهو ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وكل ما أوجب نقصا أو حدوثا فإن الله منزه عنه حقيقة فإنه سبحانه مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه ويمتنع
¥