عليه الحدوث لامتناع العدم عليه واستلزام الحدوث سابقة العدم ; ولافتقار المحدث إلى محدث ولوجوب وجوده بنفسه سبحانه وتعالى. ومذهب السلف بين التعطيل والتمثيل فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه كما لا يمثلون ذاته بذات خلقه ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله. فيعطلوا أسماءه الحسنى وصفاته العليا ويحرفوا الكلم عن مواضعه ويلحدوا في أسماء الله وآياته) 5.
وهذا الموقف منهم قائم على دعائم منها:
أ. أنّ الله تعالى أعلم بنفسه وبصفاته من الخلق، فلولم تكن هذه النّصوص بظاهرها هي ما أراد منهم معرفته وعبادته بها لما أنزلها وتكلّم بها زأوحى بها للنّبيّ e ، قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} فبيّن أنّ من حكمة بيان أسمائه وصفاته أن ندعوه بها، ودعاؤه بها يتضمّن معرفة معانيها والإيمان بها.
ب. إنّ الله سبحانه أراد من الخلق أن يعرفوه ليوحّدوه ويعبدوه، وهذا التّوحيد وهذه العبادة لا تُعلم إلاّ من بمعرفة أسمائه وصفاته، والأسماء والصّفات لا تُعلم إلاّ بالنّص فوجب الإيمان بها علماً بمعانيها وتفويضاً لكيفياتها.
ج. أنّ النّبيّ e وهو أعلم الخلق بربّه وهو أفصح النّاس وهو أخشى النّاس لله وأنصحهم لهم لولم تكن تلك النّصوص مفيدة لمعانيها الظّاهرة هي ما أراد الله من العباد لبيّن لهم ذلك، وأخبرهم أنّ ظاهرها غير مراد مثلاً أو أنها تخييلات لا حقيقة لها، بل العكس تماماً هو الّذي كان منه عليه الصّلاة والسّلام، حتى إنّه كان يشير أحياناً تحقيقاً للمراد من الصّفة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال في هذه الآية {إنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} إلى قوله: {إنّ الله كان سميعاً بصيراً}: (رأيت النّبيّ e يضع إبهامَه على أُذُنه وأُصبعَه الدّعّاء على عينه) (6).
د. أنّ الله تعالى أنزل الكتاب بلغة العرب، وأرسل رسوله e من خاصّة العرب ومن أفصحهم لساناً، وذكر لهم أنّه أنزله قرآناً عربياً ليدّبّروا آياته، وهذا يقتضي أن تكون معاني النّصوص المرادة منها هي ظواهرها، ولأنّ غير ذلك ينافي الغاية من جعل القرآن عربياً، وينافي الحث على التّدبّر لأنّ التّدبّر متضمّ، للفهم عن الله تعالى والبيان وهذا لا يكون إلاّ بالتزام لغة القرآن وهي لغة العرب، والعرب يفهمون الكلام على ظاهره وخلاف ذلك يكون تلبيساً والله منزّه عنه.
فإذا تحقق للعبد أنّ الله تعالى أعلم بنفسه وأنّ رسوله e أعلم به منا وأنه أنصح الخلق لخلق وأفصحهم وأكملهم بياناً وأنه متكلّم بلسان عربي مبين فلا يبقى أدنى شك أو ريب في أن نصوص الصفات حق بما تضمّنته من صفات رب العالمين واسمائه الحسنى.
والحيدة عن هذا الأصل فيه اتّهام للرّب أو للرّسول المبلّغ عن ربّه أو للّغة الّتي جاء بها البيان أو للمستمع المتلقّي.
أمّا الربّ تعالى فأيّ تهمة له كفر وردّة، وهذا لا يصرّح به من خالف هذا الأصل السّلفي في الأسماء والصّفات وإن كان في الحقيقة متضمناً لسوء الظّنّ بالله شعروا بذلك أم لم يشعروا، وأعظم تهمة منهم للرّب عزوجل اتّهامه بضدّ ما وصف به نفسه من الرّحمة للخلق، وإنكار ما امتنّ به على النّاس من الهداية وتبين الحق وتمييزه لهم عن الضّلال، فكأنّ هؤلاء يدّعون أنّ الله تركهم بلا هدى ولا بيان حتّى اضطروا لطلبه وابتغائه من غيره تعالى الله عما يصفون.
وأمّا الرّسول فقد تلفّظ المخالفون بشيء من هذا كما سنرى في كلام أهل التّخييل والتّجهيل وهذا لا يقول به مؤمن.
وأمّا اتّهام اللغة فقد قال به المخالفون حين قرروا التّلاعب باللغة وأساليبها وادّعوا فيها ما ليس لهم فيه أصل ولاسلف، ومن أشهر وقائعهم في اللغة ما ادّعوه من المجاز في الكلام العربي وما لزمهم أو التزموه بناء على ذلك من الإحداث والابتداع في اللغة العربية وهي لغة البيان والتبيين فأحالوها لغة تلبيس وتمويه.
¥