" وأبلغ من ذلك أن منهم من يصنف في دين المشركين والردة عن الإسلام كما صنف الرازي كتابه في عبادة الكواكب والأصنام وأقام الأدلة على حسن ذلك ومنفعته ورغب فيه، وهذه ردة عن الإسلام باتفاق المسلمين وإن كان قد يكون تاب منه] وعاد إلى الإسلام ["أ. ه
فهذا الفخر الرازي من كبار أئمة الشافعية وعلمائهم، وقد حكم شيخ الإسلام رحمه الله بكفره بعينه ولم يعذره بالتأويل ولاذكر أن الحجة قد قامت عليه وأنه قد عرف لأن مافعله كفر ظاهر بين بإجماع المسلمين كما قال.
ثالثاً: لما كان للهيتمي كلام صريح في النهي عن دعاء غير الله وأنه كفر، وكان له كلام مشتبه في مسألة الاستغاثة خاصة في بعض كتبه التي وقف عليها أئمة الدعوة، فإن عذرهم له ربما حمل على أنهم لم يطلعوا على الكفر الصريح الذي في" الجوهر المنظم" فعدوا كلامه في الاستغاثة من المسائل الخفية لأنها ربما اشتبهت على بعض المنسوبين للعلم بمسائل التوسل، فكانت خفية من هذه الجهة، على أن ظاهر كلامهم هو أنها من المسائل الظاهرة، لكن لماذكرته لك من وقوفهم على نهيه الصريح عن الشرك،مع كلامه المشتبه في الاستغاثة، فأخذوا المحكم وتركوا المتشابه، وإلا لو وقفوا على مافي الجوهر لكان لهم كلام آخر.
رابعاً: من المعلوم أن الطعن في المعظمين ربما أدى إلى رفض الأتباع للدعوة الصحيحة وتركهم لها، وعليه فإن كلام الشيخين محمول على أنهم كانوا يراعون عدم تنفير المخاطبين في الدعوة بالطعن في معظميهم، فسكتوا عنه لهذا الملحظ، ولم تنقل لنا من كلامهم مايدل صراحة على (الحكم بإسلامه)، وإنما هي رسائل يخاطبون بها المدعوين وربما تألفوهم بالسكوت عن مثل هذا مع اشتباهه كما تقدم وعدم الوقوف على صريح كلامه في الجوهر.
والقاعدة عند أئمة الدعوة رحمهم الله أن من مات من علماء المشركين فإنهم لايتعرضون له تأليفا لأتباعه، ومع هذا فإنهم لايوافقونه على باطله بل يردون عليه مع السكوت عن تكفيره بعينه للمعنى السابق.
الأخ أسد السنة:
قد قلت لك فيما سبق: " آن لمحب العلم أن يمد رجليه ".
والذي يمد رجله لايمد لسانه.
وعليه فسأعيد باختصار ما أوضحته لك في العذر بالجهل ..
اعلم أن العذر بالجهل له مقامان:
المقام الأول: عذره من إخراجه من الإسلام، فيبقى مسلما مع وقوعه في الكفر، وهذا إنما هو في المقالات الخفية فقط -أي التي يمكن لمثلها أن يخفى مدركه (لحال الشخص أو لحال المكان) -ولانقصد بالخفية هنا كل مايخفى على كل مكلف، بل (الأمور الظاهرة) لانعذر من وقع فيها -من اخراجه من اسم الإسلام ولو خفيت عليه لحاله أو لحال الزمان.
المقام الثاني: عذره من إيقاع اسم الكفرالباطن الذي تترتب احكامه على المكلف ويجزم معه له بالنار، وهذا إنما يكون في الحالات الثلاث التي شرحتها لك فيما سبق، إذا وقع في شئ من الأمور الظاهرة.
والأمور الظاهرة قد ذكرت لك ضابطها في أول المقال.
ويقال أيضا: هي الأمور التي تتنافى مع حقيقة الإسلام ولاتجتمع معه.
فلايمكن أن يكون الرجل مشركا ومسلما في نفس الوقت، وكل من وقع في الأمور الظاهرة فهو (غير مسلم)
سواء عذرناه أم لم نعذره، فإننا إذا عذرناه فإن معنى هذا أن عذره بالجهل يعني عدم الحكم عليه بالكفر الباطن الذي يترتب عليه الجزم له بالنار واستباحة دمه، حتى تقام عليه الحجة.
إذا فهمت هذا فإن كلام الشيخ أبابطين في قوله (أما
حكم من مات في زمان الفترات ولم تبلغه دعوة رسول فإن الله سبحانه أعلم بهم).
إنما عنى به حاله في الآخرة، وقد ذكرت لك أنك تخلط بين الحكم بعدم الإسلام وبين التعذيب.
وأما كلام الألباني رحمه الله، فإني عندما ذكرت لك أن أئمة الدعوة يعذرونه كالشيخ، فلأن المسائل التي ذكرها مندرجة في ضابط " الخفية "عندنا فهو مسلم، ولو كان شئ منها من (الأمور الظاهرة) لما حكمنا بإسلام من وقع فيها سواء كان في بلاد يخفى عليه فيها العلم أو يظهر، وإنما نعذره في الأمور التي ذكرتها، وهي بينة لمن ألقى السمع وهو شهيد.، وعدم فهمك لمعنى (الظاهرة) و (الخفية) هو الذي جرك الى هذا.
وأما آية الميثاق، فقد ذكرت لك سبب كرهي لاحتجاج الشيخ بها، وهو عدم وضوح الاستدلال بها قبل تمام تقرير المسألة، ولأن المخالفين – مثلك – يخلطون بين طريقة المعتزلة للاستدلال بها وطريقة أهل السنة ولذلك لم أذكرها لك من أول المقال، وطالبتك بأن تبين لي مكانها من كلامي رغبة في عدم تشعب الموضوع، أما وقد كان، فقد بينت لك وجه الاستدلال بها بما أرجو أن فيه كفاية لكل عاقل.
وأما أهل الفترة فلايحكم بإسلامهم إلا من هو أضل من حمار أهله، بل هم معذورون –عند من يثبتهم – العذر الذي حكيته لك وأوضحته، فكلامنا فيهم على قانوننا مستقيم.
وأما الكتاب والسنة فكل يدعي وصلا بليلى.
وأسود السنة –هداهم الله –0إن نقلنا لهم عن أهل العلم وحكينا لهم الاجماع قالوا " هات الكتاب والسنة " وإن جئناهم بالكتاب والسنة الصحيحة، قالوا: " من قال به من أهل العلم "
وإن جئنا بالكتاب والسنة وأقوال أهل العلم قالوا: كلاب أهل النار ينقلون عن التكفيريين!!
ولكن انظر طرفا ن الأدلة غير ماذكر في " عارض الجهل " للراشد ص181 ومابعدها.
وقد قال الشيخ صالح الفوزان في مقمة هذا الكتاب:
" يعذر الجاهل في بلاد الإسلام بالأمور (الخفية) التي تحتاج الى ايضاح وبيان، وأما (الأمور الظاهرة) كالتوحيد والشرك والمحرمات القطعية ... وما أجمع عليه أهل العلم فهذه لايعذر فيها من بلغه الكتاب والسنة على وجه يفهمه (لو أراد الفهم) " أ. هـ.
فمن أي النحلتين الفوزان (التكفيريين أم المعتزلة)؟!، أم هو ممن ينقل عن الخضير والسعد، ولايستدل بالكتاب والسنة!!
وهذا آخر ماأورد مايراد.
وأحسب أنني لم أدع – شيئا عندي إلا قلته.
وأعتذر- من الجميع - إن زل اللسان.
وأعتذر أيضا من التعقيب على هذا الموضوع بعد اليوم إلا فيما يستحق التعقيب.
والله تعالى أعلم وأحكم
¥