الوجه الثاني: أَنْ يوافقَهم في الظاهر مع مخالفته لهم في الباطن، وهو ليس في سلطانهم، وإِنَّما حمله على ذلك إِما طمعٌ في رئاسةٍ أو مالٍ أو مشحَّةٍ بوطنٍ أو عيالٍ أو خوفٍ ممَّا يحدث في المال، فإِنَّه في هذه الحال يكون مرتدَّاً ولا تنفعه كراهتُه لهم في الباطن، وهو ممن قال الله فيهم: ?ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (1) ?فأخبر أَنَّه لم يحملهُم على الكفر الجهلُ أو بغضُه، ولا محبَّةُ الباطل، وإِنَّما هو أَنَّ لهم حظَّاً من حظوظ الدُّنيا فآثروه على الدِّين، هذا معنى كلام شيخ الإسلام محمّد بن عبد الوهَّاب رحمه الله تعالى وعفا عنه)) (2).
96. أحد علماء الدعوة النجديَّة:
((فإذا عرف المسلم عِظَمَ شأنِ هذه الكلمة، وما قُيِّدت به من القيود، ولا بدَّ مع ذلك أن يكون اعتقاداً بالجَنان، ونطقاً باللِّسان، وعملاً بالأركان، فإِنْ اختلَّ نوعٌ من هذه الأنواع لم يكُنْ الرجل مسلماً كما ذكر الله ذلك وبيَّنَه في كتابه، فإذا كان الرَّجل مسلماً وعاملاً بالأركان، ثَّم حدث منه قولٌ أو فعلٌ أو اعتقادٌ يناقض ذلك لم ينفعْه ذلك، كما قال الله تعالى للَّذين تكلَّموا بالكلام في غزوة تبوك: ?لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ? وقال تعالى في حقِّ الآخرين: ?وَلقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِم? (3))) (4).
97. عثمان بن محمد شطا البكريّ (الشافعيّ). ت:1302هـ
((وحاصل الكلام على أنواع الرِّدَّة أَنَّها تنحصر في ثلاثة أقسامٍ: اعتقاداتٍ وأفعالٍ وأقوالٍ، وكلّ قسمٍ منها يتشعَّب شُعَباً كثيرة)) (1).
98. العلاَّمة صدِّيق حسن خان القنوجي. ت:1307هـ
((ومن ذلك الهَزْلُ بشيءٍ فيه ذكرُ الله، أو الرَّسول أو القرآن، أو السُّنَّة. وهذا الهَزْل كفرٌ بواحٌ، قال تعالى: ?وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ (2) ?أي بهذا المقال الذي استهزأتم به.
قال شيخ الإسلام: أخبر أَنَّهم كفروا بعد إِيمانهم، مع قولهم: إنَّا قد تكلَّمنا بالكفر من غير اعتقادٍ له، بل إِنَّما كنَّا نخوض ونلعب، وبيَّن أَنَّ الاستهزاء بآياتِ الله كفرٌ، ولا يكون هذا إلاَّ ممن شرح صدره بهذا الكلام. ولو كان الإيمانُ في قلبه، لمنعَه من أنْ يتكلَّم به. والقرآن يبيِّن أَنَّ إيمانَ القلب، يستلزِم العملَ الظَّاهر بحسبه، كقوله: ?وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ? (1) الآية. فنفى الإيمان عمَّن تولَّى عن طاعةِ الرَّسول، وأخبرَ أنَّ المؤمنين إذا دعَوا إلى الله ورسوله ليحكمَ بينهم، سمعوا وأطاعوا، فبيَّنَ أنَّ هذا من لوازم الإيمان، انتهى. وفيه بيانٌ أنَّ الإنسان قد يكفُرُ بكلمةٍ يتكلَّم بها، أو عملٍ يعمل به)) (2).
وقال في "الرَّوضة النَّديَّة" عند الباب السادس:"باب من يستحق القتل حداً":
((… (والسَّاحر) لكونِ عملِ السِّحر نوعاً من الكفر، ففاعلُه مرتدٌّ يستحقُّ ما يستحقُّه المرتدُّ …أقول: لا شكَّ أنَّ من تعلَّم السِّحر بعد إسلامه كان بفعل السِّحر كافراً مرتدَّاً وحدُّه حدُّ المرتدِّ… (والسابُّ لله أو لرسوله أو للإسلام أو للكتاب أو للسُّنَّة، والطاعن في الدِّين) وكلُّ هذه الأفعال موجبةٌ للكفر الصَّريح، ففاعلها مرتدٌّ حدُّه حدُّه)) (3).
99. الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى السديريّ. ت:1329هـ
((… فانظر إلى تفريقه – يعني شيخ الإسلام – بين المقالات الخفيَّة والأمور الظَّاهرة فقال في المقالات الخفيَّة التي هي كفرٌ: قد يقال: إِنَّه فيها مخطيءٌ ضالٌّ لم تقُمْ عليه الحُجَّة التي يكفُر صاحبها، ولم يقل ذلك في الأمور الظَّاهرةِ حكمُها مطلقاً وبما يصدرُ منها من مسلمٍ جهلاً كاستحلال محرَّمٍ أو فعلٍ أو قولٍ شركيٍّ بعد التَّعريف ولا يكفُر بالأمور الخفيَّة جهلاً كالجهل ببعض الصِّفات فلا يكفر الجاهل بها مطلقاً وإن كان داعيةً)) (1).
¥