تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعرف أهل السنة الإيمان بأنه حقيقة مركبة من قول اللسان، وتصديق الجنان، وعمل الجوارح، وأن واحداً منها لا ينفك عن الآخر. وردوا مقالة أهل الإرجاء بكلام الله وكلام رسوله، وإجماع الصحابة؛ وبما استقر في بداهة العقول من استحالة الجمع بين النقيضين: إذ كيف يجتمع الكفر والإيمان في قلب واحد. وكيف يكون مع الإعراضِ والعناد والعصيان والإصرار الإيمان والإسلام والإذعان؟؟

وهذه البدعة القديمة جاء اليوم من يجددها، ويخرجها للناس بحلة جديدة، ولباس جديد، وليته أخرجها بمسماها القديم (الإرجاء)، بل انتحل لها مسمى اعتقاد أهل السنة، وعقيدة سلف الأمة!!

لما رأيت ذلك كان من واجبي بيان هذا الأمر الخطير، وتحذير الأمة من هذا المعتقد الضال، الذي يؤدي في النهاية إلى تكذيب الله، وتكذيب رسوله، والخروج عن إجماع الأمة، وهدم أركان الدين والملة، والتعلق مع ذلك بأماني الرحمة والمغفرة غروراً وتغريراً.

والله المستعان، وعليه وحده التكلان، والحمد لله على توفيقه في البدء والختام، وسميت هذه الرسالة: (البرهانُ على أنَّ تاركَ العملِ - اختياراً - فاقِدٌ لأصل الإيمانِ، وأنَّ الكفرَ كما يكونُ بالقلبِ، يكونُ بالعملِ واللسانِ).

وكتبه

عبدالرحمن بن عبدالخالق

الكويت: جمادي الآخرة سنة 1421هـ

الموافق 14 من شهر أغسطس سنة 2000م

التعريفُ بالبدعة المُسمَّاةِ بدعةَ الإِرجاء:

قبل الدخول إلى ما نحن بِصَدَدِهِ من البرهان أنَّ تارك العمل اختياراً فاقدٌ للإيمان، وأن الكفر كما يكون بالقلب فإنه كذلك يكون بالعمل الظاهر واللسان.

أقول قبل الدخول في موضوع هذه الرسالة أحب أن أُعَرِّفَ بدعةَ الإرجاء ليكون القارئ والمستمع -إن شاء الله- على علم بأبعاد هذه البدعة الخطيرة، وآثارها المدمرة، ومن ثَمَّ يعرف كيفية الرد عليها، فأقول: بحمدِ الله:

الدِّينُ الذي بُعِثَتْ بهِ الرُّسُلُ:

الدين الذي بعثت به الرسل هو الإسلام لله، وهو يَتَلَخَّصُ في كلمتين: سمع وطاعة، قال تعالى مُعَرَّفاً له: ?وقالوا سَمِعْنا وأَطَعْنا? فالسمعُ هو الإيمانُ بكلامِ اللهِ، وتصديقهُ، والطاعةُ هي الإذعانُ لأمرِ اللهِ، والقيامُ به.

وهذا بمجموعه هو الإيمان كما شهد به الله لنبيه وصحابة نبيه، فقال?: ?آمنَ الرسولُ بما أُنزِلَ إليهِ من ربِّهِ والمؤمنونَ كلٌّ آمنَ باللهِ وملائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بينَ أحدٍ من رُسُلِهِ وقالوا سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفرانَكَ ربَّنا وإليكَ المصيرُ?.

هذا هو الإيمان، وهو أيضاً الإسلام، لأن الإسلام هو الاستسلام لله بالإيمان به وطاعته، وهو دينُ الرسلِ جميعاً الذي لا يَقبلُ اللهُ من أحدٍ سِواهُ.

وأما من أتى بالسمع وحده، وترك الطاعة فقد كفر كما كان الشأنُ من إبليس فقد سمع وعصى، واليهود الذين قالوا: ?سَمِعْنا وعَصَيْنا?، ومن أتى بالطاعة فوافق الأمرَ ولكنه لم يسمعْ كلامَ اللهِ ولم يُصَدِّقْه، فقد كفر أيضاً كالنصارى الضالين.

ومن ردَّ كلام الله، فلم يَسْمَعْه، وترك الأمرَ كذلك فقد كذَّب وعصى كفرعون ومن على شاكلته، قال الله جل وعلا عنه: ?فكذَّبَ وعصى? كذَّب خبرَ الله بأنه سبحانه ربُّ العالمين، وأنَّ موسى رسولٌ من عنده، وعصى أمرَ الله فلم يُرْسِلْ بني إسرائيل.

المرجئة من هم؟

قوم ظهروا بعد عصر الصحابة، ولهم أقوال كثيرة في معنى الإيمان، ولكنهم يجتمعون على الفصل بين العمل والإيمان؛ إذ جعلوا العمل خارجاً عن مسمى الإيمان، وعن حقيقته أو أصله …

منهم مَن قال: الإيمان هو الإقرار بالقلب فقط، ومنهم مَن قال: الإيمان هو الشهادة باللسان فقط. ومنهم من قال: الإيمان هو الإقرار بالقلب واللسان فقط. ومنهم من قال بل الإيمان هو المعرفة بالله فقط.

وأما الأعمال الصالحة كالصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، وبر الوالدين، وصدق الحديث .. الخ فعندهم أنها فقط تزيد درجة المؤمن، ولا يزداد بها العبد إيماناً؛ لأن الإيمان عندهم هو التصديق، والعبد إما مُصَدِّق وإما مُكّذِّب، فإن كان مصدقاً فلا يزداد بالصلاة والصوم وسائر الأعمال تصديقاً، وإذا لم يعملها كلها فلا تضره ما دام أنه مُصَدِّقٌ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير