وهذه الآية والحديث من أقوى الأدلة في الرد على من قال يده قدرته، فيقال لهم: هل لله قدرتان؟ و بإجماع أهل الإسلام انه ليس لله قدرتان، وتفسيرها بالنعمة أيضا مردود؛ لأنه لا يقول أحد أن لله نعمتين بل نعمه كثيرة، وماذا يقول هؤلاء في الحديث؟ هل يقولون وبقدرته الأخرى أو بنعمته الأخرى أو ماذا يقولون؟
ولا يعارض ثبوت اليدين لله أن اليد قد جاءت في بعض النصوص بصيغة الجمع كما في قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ) (يس71)
وكذلك جاءت مفردة كما في قوله تعالى (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الملك1).
لأن لغة العرب تتسع للإخبار عن المثنى بالجمع أو المفرد، قد ورد ذلك في القران كما في قوله تعالى (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) (التحريم4)، ومازال العرب يقولون رأيتك بعيني، وسمعتك بأذني، والمراد عيني وأذني، فلا تعارض إذا بين الألفاظ الواردة. ومثله تماما القول في العين.
(وكلتا يديه بالفواضل) الفواضل جمع فاضلة، وهو الخير والجود والكرم والعطاء، قال الله تعالى (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) (المائدة64).
روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (إن المقسطين عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم و أهليهم وما ولوا) (3).
(تنفح) والنفح العطاء، وفي بعض النسخ (تنضح)، و النضح هو الرش والسقي، والمقصود انه يعطي الجزيل ويكرم عباده ويعطيهم العطاء الواسع، كما في الحديث (يمين الله ملآى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار ... ) (4)
واليد من صفات الله الذاتية، والناظم عندما يذكر إنكار الجهمية لليد يشير بذلك إلى إنكارهم للصفات الذاتية الأخرى كالوجه والقدم والعين والساق ونحوها فمضمون كلامه الرد عليهم في إنكارهم بقية الصفات الذاتية؛ لان القول في الصفات واحد.
وصفات الله نوعان:
ذاتية و ضابطها: هي التي لا تنفك عن الذات، ولا تعلق لها بالمشيئة.
وفعلية: وهي التي تتعلق بالمشيئة.
ولا فرق عند أهل السنة والجماعة بين الصفات من حيث الإثبات فكلها حق تثبت لله كما وردت ويؤمن بها كما جاءت بلا تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
وإلى اللقاء في شرح الأبيات المتعلقة بإثبات صفة النزول لله عزوجل
أخوكم: العوضي
ــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم برقم1827 من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
(2) البخاري برقم7411 ومسلم برقم993 من حديث ابي هريرة رضي الله عنه
(3) بنفس تخريج (1)
(4) بنفس تخريج (2)
ـ[العوضي]ــــــــ[17 - 05 - 03, 06:18 ص]ـ
11 - وقل ينزلُ الجبارُ في كلِّ ليلةٍ --- بر كيفَ جلَّ الواحدُ المُتمَدحُ
هذه الأبيات في إثبات نزول الله في كل ليله إلى سماء الدنيا، و أهل السنة مذهبهم في النزول هو مذهبهم في بقية الصفات، فكل صفة لله ثبتت في الكتاب والسنة يمرها أهل السنة كما جاءت و يثبونها لله كما أثبتها لنفسه وكما أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس أحد من أهل السنة يتقدم بين يدي الله ورسوله معترضا على قوله بان يقول بعد إثبات الله الصفة: هذا لا يليق بك يا الله، أو بعد إثبات الرسول صلى الله عليه وسلم لها هذا لا يليق بالله، فينفي عن الله الصفات تنزيها لله عما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم و كأنه اعلم بالله من نفسه واعلم بالله من رسوله صلى الله عليه وسلم، تعالى الله عما يقولون وسبحان الله عما يصفون، ولذا أهل السنة يقولون لا بد من أصول ثلاثة لمن أراد الاشتغال بالأسماء والصفات:
الأول: أن يُقر في نفسه انه لا أحد اعلم بالله من الله. (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) (البقرة140)
الثاني: انه لا أحد اعلم بالله من خلق الله من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو اعلم الخلق بالله (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم 3/ 4)
الثالث: أن الله بالنسبة لنا غيب لم نره، فلا مجال للإنسان أن يخوض فيما هو غائب عنه من وصف إلا بوحي.
¥