(10) روى البخاري 5191 ومسلم 34 (1479) وغيرهما من طريق ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى: "إِن تَتُوبَآ إلَى اُللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُماَ " حتى حج وحججت معه، وعدل وعدلت معه بإداوة فتبرز ثم جاء فسكبت على يديه منها فتوضأ، فقلت له: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى:" إِن تَتُوبَآ إلَى اُللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُماَ "، قال: واعجبا لك يا ابن عباس، هما عائشة وحفصة، ثم استقبل عمر الحديث يسوقه قال:
كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهم من عوالي المدينة، وكنا نتناوب النزول على النبي صلى الله عليه وسلم فينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحي أو غيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك؛ وكنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار. فصخبت على امرأتي فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني قالت: ولم تنكر أن أراجعك؟ فو الله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل. فأفزعني ذلك فقلت لها: قد خاب من فعل ذلك منهن. ثم جمعت على ثيابي فنزلت فدخلت على حفصة فقلت لها: أي حفصة أتغاب إحداكن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل؟ قالت: نعم، فقلت قد خبت وخسرت، أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتهلكي؟ لا تستكثري النبي صلى الله عليه وسلم ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه، وسليني ما بدا لك ولا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم – يريد عائشة.
وقال عمر: وكنا قد تحدثنا أن غسان تنعل الخيل لتغزونا، فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته، فرجع إلينا عشاء فضرب بابي ضربا شديدا وقال: أثم هو؟ ففزعت فخرجت إليه، فقال: قد حدث اليوم أمر عظيم، قلت: ما هو؟ أجاء غسان قال: لا، بل أعظم من ذلك وأهول؛ طلق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه، وقال عبد الله ابن حنين: سمع ابن عباس عن عمر فقال: اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه فقلت: خابت حفصة وخسرت، وقد كنت أظن هذا يوشك أن يكون، فجمعت علي ثيابي، فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مشربة له فاعتزل فيها؛ ودخلت على حفصة فإذا هي تبكي، فقلت ما يبكيك، ألم أكن حذرتك هذا، أطلقكن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أدري، ها هو ذا معتزل في المشربة فخرجت فجئت إلى المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم فجلست معهم قليلا، ثم غلبني ما أجد فجئت المشربة التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم فقلت لغلام أسود: استأذن لعمر، فدخل الغلام فكلم النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع فقال: كلمت النبي صلى الله عليه وسلم وذكرتك له فصمت، فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر. ثم غلبني ما أجد فجئت فقلت للغلام: استأذن لعمر، فدخل ثم رجع فقال: قد ذكرتك له فصمت، فرجعت فجلست مع الرهط الذين عند المنبر، ثم غلبني ما أجد، فجئت الغلام فقلت: استأذن لعمر، فدخل ثم رجع إلي فقال: قد ذكرتك له فصمت، فلما وليت منصرفا – قال: إذا الغلام يدعوني – فقال: قد أذن لك النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكئا على وسادة من أدم حشوها ليف، فسلمت عليه ثم قلت وأنا قائم: يا رسول الله أطلقت نساءك؟ فرفع إلي بصره فقال: لا. فقلت: الله أكبر ... إلخ.
ووجه الدلالة منه ظاهر، فإن عمر رضي الله عنه لم يجزم بخبر الأنصاري بل ذهب يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك بنفسه ولو كان خبر الآحاد يفيد القطع لجزم بخبره، ثم إن الأمر كان بخلاف ما أخبر به الأنصاري وهذا دليل آخر على أن خبر الآحاد لا يفيد اليقين، ثم إن هذا الحديث قد جاء بلفظ أخر وهو دليل آخر على أن الآحاد لا يمكن أن يجزم بمقتضاه كما لا يخفى ذلك على الفطن والله أعلم.
(11) ثبت عن جماعة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قد ردوا بعض الأحاديث الآحادية بمجرد معارضتها لبعض الظواهر القرآنية أو لبعض الروايات الأخرى، فلو كانت أخبار الآحاد تفيد القطع لما ردوها.
وإليك بعض الأمثلة على ذلك:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المراد بالآحاد ما عدا المتواتر كما هو رأي الجمهور.
(2) قوله: (وزعم ... ) فيه إشارة إلى أن هذا لم يثبت عن الإمام مالك وهو كذلك، قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان ج5 ص291 في ترجمة ابن خويز منداد ما نصه: (عنده شواذ عن مالك واختيارات وتأويلات لم يعرج عليها حذاق المذهب كقوله: ... وأن خبر الواحد مفيد للعلم ... وقد تكلم فيه أبو الوليد الباجي، ولم يكن بالجيد النظر، ولا بالقوي في الفقه، وكان يزعم أن مذهب مالك أنه لا يشهد جنازة متكلم ولا يجوز شهادتهم ولا مناكحتهم ولا أماناتهم، وطعن ابن عبد البر فيه أيضا) اه.
(31) في ذلك نظر عندي بالنسبة إلى الأحاديث النبوية والأخبار التي طال عهدها وتقادم زمنها كما بينته في غير هذا الموضع والله تعالى أعلم.
==== يتبع ... أحاديث آحادية ردها الصحابة ===
انتهى