على الخصوص , وقد فرض أن الشر فيها على الخصوص فلزم التناقض " (9).
فظهر بهذا بطلان هذا التقسيم للبدع , وتناقضه وانه ليس له اصل يرجع اليه او دليل يستند عليه بل هو مصادم للنصوص الشرعيه كقوله صلى الله عليه وسلم: ( ..... كل بدعة ضلاله) (10) فإنه يدل على تحريم البدع كلها , إذ كل ضلال محرم ومن زعم أن من البدع ما هو واجب او مندوب او مباح مع إطلاعه على النصوص في ذم البدع وأنها كلها ضلال , فقد أعظم على الله الفريه وشاق رسوله من حيث يدري او لا يدري. وقد قال تعالى في التحذير ممن ذلك: " فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم " (11) وقال في التحذير من مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم: " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " (12).
تقسم البدعة إلى حسنة وسيئة، وبيان بطلان هذا التقسيم
وقريب من هذا التقسي تقسيم البدع الى: حسنه وسيئه:
فأنه تقسيم باطل ايضا فالبدع كلها ضلال ليس فيها هدى , قبيحه ليس فيها حسن , مذمومه ليس فيها ممدوح , وفد جاءت النصوص من الكتاب والسنه بذلك كما دلت على ذلك أقوال سلف الامه , وإنما قال بهذا التقسيم من لم يفهم مقاصد النصوص على حقيقتها وكلام السلف على وجهته فاستدلوا ببعض الاحاديث , وببعض الآثار المنسوبه الى بعض السلف وحملوها على غير المراد منها وزعموا انها تدل على تحسين بعض البدع.
وكان من جملة ما استدلوا به لقولهم هذا.
1 - قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سن في الاسلام سنة حسنه فله اجرها واجر من عمل بها بعده من غير ان ينقص من اجورهم شيئ, ومن سن في الاسلام سنة سيئه كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير ان ينقص من اوزارهم شيئ) (13).
2 - ما نسبوه الى الرسول صلى الله عليه وسلم انه قال: (ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيئ) (14).
3 - قول عمر رضي الله عنه لما راى اجتماع الناس لصلاة التراويح في المسجد (نعمت البدعه هذه) (15).
4 - قول الشافعي: (البدعه بدعتان: بدعه محموده , وبدعه مذمومه فما وافق السنه فهو محمود , وما خالف السنه فهو مذموم) (16).
وما احتج به محسنو البدع من هذه النصوص ليس فيه حجة لهم فيما ذهبوا إليه من تقسيم البدع الى حسنه وسيئه.
بيان بطلان هذا التقسيم
أما الحديث الاول: " من سن في الاسلام سنة حسنه .. ":
فليس فيه سوى ذكر السنه الحسنه والسيئه ولم يرد فيه ذكر للبدعه. والسنه في اللغه هي الطريقه (17).
فالمقصود بالحديث: من اتى بطريقة حسنه فسنها للناس فهو من المثابين عليها. ولا يمكن ان تعرف طريقة ما انها حسنه إلا بدلالة الشرع على تحسينها , فعندما توصف الطريقه بانها حسنه كما في الحديث يدل على ان لها اصلا في الشرع.
قال صاحب تحفة الاحوذي في معنى السنه الحسنه في الحديث: " أي من اتى بطريقة مرضيه يشهد لها اصل من اصول الدين " (18). وقال في معنى السنه السيئه " أي طريقة غير مرضيه لا يشهد لها اصل من اصول الدين " (19).
ومناسبة الحديث تدل على ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطلق (السنه الحسنه) إلا على امر له اصل في الشرع. فأن سبب هذا الحديث: انه جاء الى الرسول صلى الله عليه وسلم وفد من العرب كانوا على غايه من الحاجه والفقر فحث النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه على التصدق عليهم , فجاء رجل من الانصار فتصدق بصدقه كبيره ثم تتابع الناس من بعده على التصدق حتى تجمع قدر كبير من الصدقات فاعجب فعل الانصاري النبي صلى الله علية وسلم فقال الحديث (20).
فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما قصد بالسنه الحسنه فعل الانصاري من ابتدائه بالصدقه في تلك الحادثه , والصدقه مشروعه من قبل.
فتقرر بهذا ان النبي صلى الله عليه وسلم إنما اطلق السنه الحسنه على ما هو مشروع في الدين , ولا مجال لإقحام البدع تحت دائرة السنه الحسنه اذ البدع لا اصل لها في الدين , فظهر بهذا بطلان استدلال محسني البدع بهذا الحديث بل هو حجه عليهم والله اعلم.
اما الحديث الثاني وهو مانسب الى النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: " ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن .... ":
¥