قلت: وهذا الحديث لم يسلم من طعون السقاف وتأويلاته فادعى أن الذي ينزل هو أحد الملائكة، واستدل على ذلك بما رواه النسائي في ((عمل اليوم والليلة)) (486): أخبرني إبراهيم بن يعقوب، حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي حدثنا الأعمش، حدثنا أبو إسحاق، حدثنا أبو مسلم الأغر، سمعت أبا هريرة و أبا سعيد يقولان: قال رسول الله ?: ((إن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول، ثم يأمر منادياً ينادي، هل من داع يستجاب له، هل من مستغفر يغفر له، هل من سائل يعطى)). وهذه الرواية شاذة، من جهة ذكر المنادي.
فقد رواه جماعة عن أبي إسحاق فأثبتوا النزول والنداء لله عز وجل، وهم:
1 – شعبة بن الحجاج: أخرجه الإمام أحمد (3/ 34)، ومسلم (1/ 52)، وابن خزيمة (1146)، والآجرى في ((الشريعة)) (ص:310).
2 – سفيان الثوري: أخرجه الآجرى (ص:309).
3 – أبو عوانة: أخرجه أحمد (2/ 383)، والرامهرمزى في ((المحدث الفاصل)) (552).
4 – معمر: أخرجه عبد الرزاق (1/ 444 - 445/ 19654).
5 – إسرائيل: أخرجه الآجرى (ص:310).
6 – شريك: أخرجه الآجرى (ص:310).
7 – منصور بن المعتمر: أخرجه مسلم (1/ 523)، والنسائي في ((اليوم والليلة)) (485).
وليس الحمل فيه على الأعمش، فقد رواه الآجرى (ص:309) من طريق: مالك بن سعير، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي مسلم الأغر، عن أبي هريرة مرفوعاً: ((إن الله عز وجل يمهل حتى إذا كان شطر الليل نزل تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فقال: هل من مستغفر ………الحديث)). وسنده صحيح. فالحمل في رواية النسائي – الشاذة – على حفص بن غياث أولى، فقد تغير بعدما تولى القضاء، وقد خالف الأكثر والأوثق. والحديث محفوظ من طرق أخرى – غير طريق الأغر – عن أبي هريرة بلفظ نزول الرب عز وجل. وأما زعمه أن هذا الحديث كان في كتاب حفص، فمردود عليه.
قال في تعليقه على ((دفع شبه التشبيه)) (ص:193): (وقد زعما – أي الألباني وشعيب الأرناؤوط – أن حفص بن غياث تغير حفظه قليلاً بأخرة، وأقول: إن هذا تضعيف مردود لأن رواية حفص عن الأعمش كما في إسناد هذا الحديث كانت في كتاب عند ابن حفص – عمر – كما في ترجمة حفص في ((تهذيب الكمال)) (7/ 60)، و ((تهذيب التهذيب)) (2/ 358)، فلا يضرها اختلاط حفص بأخرة على تسليم وقوعه).
*قلت: هذه إحالة على جهالة، فالذي ورد في ((تهذيب التهذيب)): ((قال ابن خراش:بلغني عن على بن المديني، قال سمعت يحيى بن سعيد يقول: أوثق أصحاب الأعمش حفص بن غياث، فأنكرت ذلك، ثم قدمت الكوفة بأخرة، فأخرج إلى عمر بن حفص كتاب أبيه، عن الأعمش، فجعلت أترحم على يحيى)).
*قلت: هذا الإسناد منقطع بين ابن خراش وعلى بن المديني من جهة، ومن جهة أخرى لم يرد في هذا الخبر ما يدل على أن هذا الحديث من كتاب حفص، ولم يرد في إسناد الخبر نفسه ما يدل على ذلك، وقد يكون الحديث من رواية صاحب كتاب او صاحب نسخة، إلا أن حديثاً بعينه من روايته لا يكون من هذه النسخة.
ونضرب على ذلك مثالاً: ما أخرجه أحمد والترمذى والحاكم من طريق:عمرو بن الحارث، عن دراج أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد مرفوعاً: ((لاحكيم إلا ذو تجربة، ولا حليم إلا ذو عثرة)). قال الحافظ ابن حجر مدافعاً عن هذا الحديث في ((أجوبته عن أحاديث المصابيح)) (المشكاة:1786): ((صحيح ابن حبان هذه النسخة من رواية ابن وهب، عن عمرو ابن الحارث، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، فأخرج كثيراً من أحاديث في صحيحه)). فاحتج على تقوية الحديث بأنه من نسخة ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، لأن من رواه رواه من طريق ابن وهب، فظن أنها من نسخته، والأمر خلاف ما ذكر. قال ابن عدي في ((الكامل)) (3/ 1256): ((وهذا لا يرويه مصرى عن ابن وهب، إنما يرويه قوم غرباء ثقات سمعوه من ابن وهب بمكة، وليس هذا في نسخة عمرو بن الحارث من رواية ابن وهب عنه)). قلت: فكون الحديث من رواية عمر بن حفص، عن أبيه، عن الأعمش لا يعنى أنه في كتاب حفص عن الأعمش، ولو سلمنا بذلك فقد خالف حفص بن غياب الأكثر والأحفظ، فروايته على ذلك شاذة بل منكرة.
¥