والحديث الوارد بهذا الصدد (فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا .. ) عند أحمد وأبي داود، والنسائي، والدارمي، قد اختلف أهل العلم فيه من بين مصحح ومضعف و الذين جنحوا إلى تصحيحه قالوا إنه منسوخ، وأن المقصود شطر ماله، أي خيار ماله في القيمة مما يساوي الشطر.
وعلى كل حال لماذا العلامة يخالف تأصيله ومنهجه و يأخذ هنا بالحديث الضعيف الظني والرأي المهجور وأقوال الرجال فأين منهجه الذي يدندن حوله ويحاول أن يؤصله، وإن زعم أنه لم يأخذ بأقوالهم بل هو محض فكره وعلمه واجتهاده، وهذا الذي يظهر من حال المغترين والمتعالمين، نقول له من أنت؟ وأيهما خير تشدقك و تشقيقاتك المنشقة، أم تشقيقات الفقها المفعمة بالأدلة.
إن مما يعرفه البلداء قبل الفطناء، أن من دلالة وضوح المبدأ والمنهج عدم التناقض بين التنظير والفعل والحرص على الاطراد.
حادي عشر: قال: (ومن كان له أدنى إلمام بعلوم الشريعة، يعلم قطعاً أنه ليس في الإسلام ما هو معصية في حق الفرد وكفر في حق الجماعة). أهـ
لا أملك إلا أن أقول ما قاله أبن القيم:
وتزعم مع هذا بأنك عارف وما أنت إلا جاهل كذبت يقيناً بالذي تزعم وأنك بين الجاهلين مقدم
ثم ظالم وفي مثل هذا الحال قد قال من مضى وأحسن فيما قاله المتكلم
فإن كنت تدري فتلك مصيبة. وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم
إن شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله لم يفرق بين الفرد والجماعة في مسائل الكفر ولكن الهوى يصم ويعمي، وإليك الآن كلام شيخ الإسلام رحمه الله:
قال رحمه الله: (الوجه الثالث أن العبد إذا فعل الذنب مع اعتقاد أن الله حرمه عليه واعتقاد انقياده لله فيما حرمه وأوجبه فهذا ليس بكافر، فأما إن اعتقد أن الله لم يحرمه أو أنه حرمه لكن امتنع من قبول هذا التحريم وأبى أن يذعن لله وينقاد فهو إما جاحداً أو معانداً ولهذا قالوا من عصى مستكبراً كإبليس، بالاتفاق، ومن عصى مشتهياً لم يكفر عند أهل السنة والجماعة وإنما يكفره الخوارج، فإن العاصي والمستكبر وان كان مصدقاً بالله رباً فان معاندته له ومحادته تنفي هذا التصديق ... الى أن قال: وتارة يعلم أن الله حرمها ويعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما حرم ما حرمه الله ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم ويعاند المُحَرِم فهذا اشد كفراً من قبله وقد يكون هذا مع علمه بأن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذبه ثم إن هذا الامتناع والإباء إما في خلل في اعتقاد حكمة الآمر وقدرته فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته) أهـ.
فهل وجدتم كذباً على شيخ الإسلام اشد من هذا الكذب الذي لفقه عليه الكبش النطاح فريد عصره منصور النقيدان،فسبحان من ألهمه إلى اكتشاف ما غفل عنه جهابذة العلماء.
ثاني عشر: زعم زعماً فاضحاً بأن السلف رحمهم الله قصروا الامتناع بالقتال دون غيره من مظاهر الرد والرفض، لأنهم لم يجدوا في كتب من قلدوهم سوى هذه الصورة فجمدوا عليها.
ولا أقول هنا إلا كما قال الشاعر:
قال حمار الحكيم توما لو أنصف الدهر كنت أركب
فإني جاهل بسيط وصاحبي جهله مركب
فكيف يقول هذا من له أدنى إلمام بأحكام الشريعة، أين أحاديث الخوارج التي اخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إن وجدهم ليقتلنهم قتل عاد، وفيها أنهم شر قتلة تحت أديم السماء، وفيها أنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، وفيها أنهم كلاب النار، ولم يشرط الرسول في امتناعهم أن يظهروا القتال للمسلمين، بل حث على قتالهم حتى وإن لم يقاتلوا، فإن رجعوا إلى الإسلام كف عنهم، وأين قسمك الثالث الذي ذكرت فيه الطائفة الثالثة الذين قاتلهم أبو بكر لمجرد امتناعهم عن أداء الزكاة ووقع هنا الخلاف بين وبين عمر رضى الله عنهما، وأين قسم أبو بكر عندما قال والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاربتهم عليه ولم يشترط أن يقاتلوه على هذا العقال، بل معارضة عمر له تدل أن أبا بكر قاتلهم وبدأهم القتال ولم يبدؤه حيث قال كيف تقاتلهم وهم يشهدون ألا إله إلا الله والرسول صلى الله عليه وسلم يقول فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها، وفي رواية إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله فقال أبو بكر: وهذا والله من حقها والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها ..
¥