ثالثاً: الاستدلال بالإجماع، و قد ورد في كلام الإمام ابن حزم الظاهري حيث قال: (برهانٌ ضروريٌ لا خلاف فيه: و هو أن الأمة مجمعة كلها بلا خلاف من أحد منهم، و هو أن كل من بدل آية من القرآن عامداً، و هو يدري أنها في المصاحف بخلاف ذلك، و أسقط كلمةً عمداً كذلك، أو زاد فيها كلمة عامداً، فإنه كافر بإجماع الأمَّة كلِّها، ثم إن المرء يخطئ في التلاوة، فيزيد كلمة و ينقص أخرى، و يبدل كلامه جاهلاً، مقدراً أنه مصيب، و يكابر في ذلك، و يناظر قبل أن يتبين له الحق، و لا يكون بذلك عند أحد من الأمة كافراً، و لا فاسقاً و لا آثماً، فإذا وقف على المصاحف أو أخبره بذلك من القراء من تقوم الحجة بخبره، فإن تمادى على خطئه فهو عند الأمة كلِّها كافر بذلك لا محالة، و هذا هو الحكم الجاري في جميع الديانة) [الفصل في الملل والأهواء والنحل: 3/ 142].
قلتُ: و هذا الكلام على قوته فيه وجه آخر، و هو قياس الأولى؛ فإذا كان المخطئ في التلاوة معذوراً بجهله و إن أحال المعنى عن المراد بزيادة أو نقصان أو تصحيف، مع أنَّه لا يتصور عجزه عن تعلُّم تلاوة آي الكتاب، لكثرة المعتنين بتعليمه، و نشر علومه، و تفسيره في كل زمان و مكان، و ندرة الخلاف في ذلك بين أبناء المذهب الواحد، بل و بين الفرق الإسلامية، على تعددها، و تشعب مسالكها، فمن الأولى أن يكون معذوراً بجهله في دقائق العلم، و خفايا المسائل – بالنسبة لمن هو في مثل حاله – كمسائل الأسماء و الصفات التي قد لا يتسنى له من يعلمه إياها، أو يرشده إلى مذهب أهل الحق و التحقيق فيها، خاصة و أنَّ الخلاف فيها قائم على أشدِّه بين الفرق و الطوائف.
و يحسن بنا و نحن نؤكد على مذهب الجمهور في العذر بالجهل في أصول الدين أن نؤكِّد على أنَّ العذر لا يقبل ممن يعيش بين ظهراني المسلمين و فيهم العلماء و الدعاء، و لكن الجاهل المعذور بجهله هو حديث العهد بدين الإسلام، أو من يعيش في منأى عن بلاد المسلمين، أو حيث لا علم و لا علماء و لم يتسنَّ له من يعلمه، أو يوقفه على ما يجب عليه اعتقاده من مسائل الأصول.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: (لو عُذِرَ الجاهل؛ لأجل جهله لكان الجهل خيراً من العلم إذ كان يحط عن العبد أعباء التكليف و يريح قلبه من ضروب التعنيف؛ فلا حجة للعبد في جهله بالحكم بعد التبليغ و التمكين؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرُسل) [المنثور في القواعد، للزركشي: 2/ 17].
فلا يغيبن عنك يا يطلب الحق بدليله أن الأمر ليس على إطلاقه، و لكنَّه مقيَّد مضبوط عن أهل العلم، فخذه بقيده، و اضبطه بضبطه، و الله يتولاك.
هذا و الله الهادي إلى سواء السبيل، و بالله التوفيق.
وكتب
د. أحمد بن عبد الكريم نجيب
[email protected]
http://saaid.net/Doat/Najeeb
ـ[ hassoon] ــــــــ[30 - 09 - 03, 08:12 م]ـ
رائع و مفيد بارك الله في كاتبه و نفع به قارئه
ـ[ناصر أحمد عبدالله]ــــــــ[28 - 12 - 04, 11:45 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الإخوة الكرام ..
قد ارتأى الإخوة القائمون على الموقع عدم فتح موضوع جديد للبحث الذي كنت قد كتبته عن:
(عقيدة أهل السنة والجماعة في مسألة العذر بالجهل)، وذلك نظرا لعدم رغبتهم في فتح أكثر من عنوان في موضوع واحد ..
لذلك سوف أقوم بنشر هذا البحث من جديد هنا تباعا على حلقات إن شاء الله، وأحب أن أنوه أنه ليس له أي علاقة ببحث الدكتور أحمد نجيب أعلاه، ولم أكتب بحثي في هذه الصفحة إلا نزولا على رغبة الإخوة المشرفين الكرام سددهم الله وسلمهم، فلا يحسبن أحد أنني أرد على الدكتور أحمد أو أعقب عليه مثلا، بل هو بحث مستقل كتبته من قبل قراءة بحث الدكتور وفقه الله ..
أسأل الله عز وجل أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.
ـ[ناصر أحمد عبدالله]ــــــــ[28 - 12 - 04, 11:52 م]ـ
عقيدة أهل السنة والجماعة في مسألة العذر بالجهل
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد ..
¥