تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بلغه من ذلك بعضه، لكن كثيرا من الناس لم يحيطوا علما بكثير من أقوال السلف والأئمة، وقد أفرد الناس في ذلك مصنفات مثل أبي عبد الرحمن السلمي، ومثل شيخ الإسلام أبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري، وسمى كتابه ذم الكلام وأهله، وممن ذكر اتفاق السلف على ذلك أبو حامد الغزالي في أجل كتبه الذي سماه إحياء علوم الدين، قال فيه: فإن قلت فعلم الكلام والجدل مذموم كعلم النجوم أو هو مباح أو مندوب إليه، فاعلم أن الناس في هذا غلوا وإسرافا في الطرفين، فمن قائل إنه بدعة وحرام، وإن العبد أن يلقى الله بكل ذنب سوى الشرك خير له من أن يلقاه بالكلام، ومن قائل إنه واجب فرض إما على الكفاية أو على الأعيان، وإنه أجل الأعمال وأعلى القربات، وإنه تحقيق لعلم التوحيد ونضال عن دين الله، قال: وإلى التحريم ذهب الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وسفيان وجميع أهل الحديث من السلف، ثم ذكر بعض نصوص الشافعي التي تقدمت.

قال: وقال أحمد بن حنبل: لا يفلح صاحب الكلام أبدا، ولا تكاد ترى أحدا نظر في الكلام إلا وفي قلبه دغل، قال: وبالغ فيه حتى هجر الحارث المحاسبي، قال: وقال الإمام أحمد أيضا: علماء الكلام زنادقة، قال: وقال مالك: أرأيت إن جاء رجل أجدل من رجل يدع الرجل دينه كل يوم لدين جديد، قال: وقال مالك: لا تجوز شهادة أهل الأهواء والبدع، قال بعض أصحابه: أراد بأهل الأهواء أهل الكلام على أي مذهب كانوا، وهذا الذي حكى عنه أبو حامد تأويل قول مالك هو محمد بن خويز منداد البصري المالكي، قال: إن أهل الأهواء عند مالك وأصحابه الذين ترد شهادتهم هم أهل الكلام، قال: وكل متكلم هو من أهل الأهواء والبدع عند مالك وأصحابه أشعريا كان أو غير أشعري، هكذا ذكره عنه أبو عمر بن عبد البر في كتاب فضل العلم، ثم ذكر أبو حامد كلام أبي يوسف: من طلب العلم بالكلام تزندق، قال: وقد اتفق أهل الحديث من السلف على هذا، ولا ينحصر عنهم ما نقل من التشديدات فيه، وقالوا: ما سكت عنه الصحابة رضي الله عنهم مع أنهم أعرف بالحقائق وأفصح في ترتيب الألفاظ من غيرهم إلا لعلمهم بما يتولد عنه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هلك المتنطعون هلك المتنطعون" أي: المتعمقون في البحث والاستقصاء، قال: واحتجوا بأن ذلك لو كان من الدين لكان أهم ما يأمر به النبي ويعلم طريقه ويثني على أربابه، فقد علمهم الاستنجاء وندبهم إلى حفظ الفرائض ونهاهم عن الكلام في القدر، وعلى هذا استمر الصحابة، فالزيادة على الأستاذ طغيان وظلم، وهم الأستاذون والقدوة ونحن الأتباع والتلامذة، إلى أن قال: وأما منفعته فقد يظن أن فائدته كشف الحقائق ومعرفتها على ما هي عليه، وهيهات فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف، وهذا إذا سمعته من محدث أو حشوي ربما خطر ببالك أن الناس أعداء ما جهلوا، فاسمع هذا ممن خبر الكلام، ثم قلاه بعد حقيقة الخبرة وبعد التغلغل فيه إلى درجة المتكلمين، وجاوز ذلك إلى التعمق في علوم أخرى سوى نوع الكلام، وتحقق أن الطريق إلى حقائق المعرفة من هذا الوجه مسدود.

قال: ولعمري لا ينفك الكلام عن كشف وتعريف وإيضاح لبعض الأمور، ولكن على سبيل الندور في أمور جليلة تكاد تفهم قبل التعمق في صناعة الكلام، قل بل منفعته شيء واحد وهو حراسة العقيدة وحفظها عن تشويشات المبتدعة بأنواع الجدل، فإن العامي يستفزه جدل المبتدع وإن كان فاسدا، ومعارضة الفاسد بالفاسد نافعة، ثم قال: وإذا وقعت الإحاطة بضرره ومنفعته فينبغي أن يكون صاحبه كالطبيب الحاذق في استعمال الدواء الخطر أن لا يضعه إلا في موضعه، وعلى قدر الحاجة، وقال: إن فيه من المضرة من إثارة الشبهات وتحريك العقائد وإزالتها عن الجزم والتصميم، وفيه مضرة في تأكيد اعتقاد المبتدعة وتثبيته في صدورهم، بحيث تنبعث دواعيهم ويشتد حرصهم على الإصرار عليه، ويمكن هذا الإصرار بواسطة التعصب الذي يثور عن الجهل، (انتهى كلام أبي حامد).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير