تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ما لم يؤد غيرهم، وقد احتاج إليهم خاص الأمة وعامتها، والواقع شاهد على ذلك، وإن أريد بالتفضيل شرف الأصل وجلالة النسب فلا ريب أن هذا دين الرافضة ولا ريب أن الدكتور لا يعتبره في مفاضلته، وهو يعلم كسائر الأمة أن أكرم الناس عند الله أتقاهم.

وإذا ثبتت وجوه التفضيل وموارد الفضل وأسبابه صار الكلام بعلم وعدل، وأكثر الناس إذا تكلم في التفضيل لم يفصل جهات الفضل، ولم يوازن بينهما، فيبخس الحق، وإن انضاف إلى ذلك نوع تعصب وهوى لمن يفضله تكلم بالجهل والظلم، واعتدى على خصمه بما لا يجوز من القول والفعل.

قال الإمام ابن القيم –رحمه الله- في بدائع الفوائد ج: 3 ص: 684:

"فعلى المتكلم في هذا الباب أن يعرف أسباب الفضل أولا، ثم درجاتها ونسبة بعضها إلى بعض والموازنة بينها ثانيا، ثم نسبتها إلى من قامت به ثالثا كثرة وقوة، ثم اعتبار تفاوتها بتفاوت محلها رابعا"، وفي جميع هذه المقامات ننازع الدكتور ولا نسلم له لا أسباب فضل من ذكرهم على غيرهم ولا نسبة ما فضلهم به إليهم.

ثم قال الإمام ابن القيم مبينا نكتة بديعة في الفرق بين التفضيل بين الأنواع والتفضيل بين الأشخاص، وأيهما عسر؟، ولماذا؟، وما هي الدوافع الخفية في تفضيل شخص على غيره أو طريقة ومذهب على غيره؟:

"فهذه أربع مقامات يضطر إليها المتكلم في درجات التفضيل، وتفضيل الأنواع على الأنواع أسهل من تفضيل الأشخاص على الأشخاص، وأبعد من الهوى والغرض، وهاهنا نكتة خفية لا ينتبه لها إلا من بصره الله، وهي: أن كثيرا ممن يتكلم في التفضيل يستشعر نسبته وتعلقه بمن يفضله ولو على بعد، ثم يأخذ في تقريظه وتفضيله، وتكون تلك النسبة والتعلق مهيجة له على التفضيل، والمبالغة فيه، واستقصاء محاسن المفضل، والإغضاء عما سواها، ويكون نظره في المفضل عليه بالعكس، ومن تأمل كلام أكثر الناس في هذا الباب رأى غالبه غير سالم من هذا، وهذا مناف لطريقة العلم والعدل التي لا يقبل الله سواها، ولا يرضي غيرها، ومن هذا تفضيل كثير من أصحاب المذاهب والطرائق وأتباع الشيوخ كل منهم لمذهبه وطريقته، أو شيخه، وكذلك الأنساب والقبائل والمدائن والحرف والصناعات، فإن كان الرجل ممن لا يشك في علمه وورعه خيف عليه من جهة أخرى، وهو: أنه يشهد حظه نفعه المتعلق بتلك الجهة، ويغيب عن نفع غيره بسواها، لأن نفعه مشاهد له، أقرب إليه من علمه بنفع غيره، فيفضل ما كان نفعه وحظه من جهته باعتبار شهوده ذلك وغيبته عن سواه، فهذه نكت جامعة مختصرة إذا تأملها المنصف عظم انتفاعه بها واستقام له نظره ومناظرته والله الموفق".

وبعد هذا نشرع في كشف وبيان تلبيسات الدكتور عمارة في مقاله عن السلفية، فنقول مستعينين بالله السميع العليم:

ذم أهل السنة للكلام:

إن أئمة الإسلام وجهابذة السنة لما عرفوا أن طرق المتكلمين إنما تنتهي إلى ما هو شر على سالكيها وعلى عوام المسلمين وعلى الدين، تنوعوا في ذمها والطعن فيها وعيب أهلها والتنفير منهم ومنها، والحكم بعقوبتهم بهجرانهم وإشهارهم والتحذير منهم، قال أبو القاسم بن عساكر: "وقد حفظ عن غير واحد من علماء الإسلام عيب المتكلمين وذم أهل الكلام، ولو لم يذمهم غير الشافعي لكفى، فإنه قد بالغ في ذمهم وأوضح حالهم وشفى"، ثم ذكر ابن عساكر عن الشافعي أنه قال: "لئن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه سوى الشرك خير له من أن يبتلى بالكلام، ولقد اطلعت من أهل الكلام على شيء ما ظننت أن مسلما يقوله"، وقال الإمام أحمد: "علماء الكلام زنادقة".

قال ابن القيم في الصواعق المرسلة ج: 4 ص: 1266

قال شيخنا: "والكلام الذي اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمه وذم أصحابه والنهي عنه وتجهيل أربابه وتبديعهم وتضليلهم هو هذه الطرق الباطلة التي بنوا عليها نفي الصفات والعلو والاستواء على العرش، وجعلوا بها القرآن مخلوقا، ونفوا بها رؤية الله في الدار الآخرة، وتكلمه بالقرآن وتكليمه لعباده، ونزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا، ومجيئه يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده، فإنهم سلكوا فيه طرقا غير مستقيمة، واستدلوا بقضايا متضمنة للكذب، فلزمهم بها مسائل خالفوا بها نصوص الكتاب والسنة، وصريح المعقول، وكانوا جاهلين كاذبين ظالمين في كثير من مسائلهم ورسائلهم وأحكامهم ودلائلهم، وكلام السلف والأئمة في ذلك مشهور، وما من أحد قد شدا طرفا من العلم إلا وقد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير