تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقال: كان الله ولا عرش وهو الآن على ما كان عليه فقال أبو جعفر: أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التي نجدها ما قال قط يا الله إلا وجد من قلبه ضرورة تطلب العلو ولا يلتفت يمنة ولا يسرة فكيف ندفع هذه الضرورة عن أنفسنا؟ أو قال: فهل عندك هذه الضرورة التي نجدها؟ فقال: يا حبيبي ما ثم إلا الحيرة، ولطم على رأسه، ونزل، وبقي وقت عجيب، وقال فيما بعد: حيرني الهمذاني".

مراتب الناس في العلم بالنبوة ومعرفة قدرها:

قال شيخ الإسلام في العقيدة الأصفهانية ج: 1 ص: 166

"ومعلوم أن كل من سلك إلى الله جل وعز علما وعملا بطريق ليست مشروعة، موافقة للكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة وأئمتها، فلابد أن يقع في بدعة قولية أو عملية".

فكل من سلك غير طريق الأنبياء في الدعوة والاستدلال، ولا نهج نهجهم في المسائل والدلائل، فإن ما يفعله الرجل من ذلك لا يخرج عن أن يكون مجتهدا فيه مخطئا مغفورا له خطؤه، وقد يكون ذنبا، وقد يكون فسقا، وقد يكون كفرا، بخلاف الطريقة المشروعة في العلم والعمل فإنها أقوم الطرق، ليس فيها عوج، وأوصلها للحقيقة، وأحقها بالسير عليها كما قال تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}، وقال عبد الله بن مسعود: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا وخط خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال: "هذا سبيل الله وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه" ثم قرأ: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}، وقال الزهري: كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة، ولهذا قيل: مثل السنة مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، وهو يروى عن مالك.

والمقصود هنا أن عامة الطرق التي سلكها الناس –متكلمين وعباد- في العلم بالنبوة هي طرق مفيدة نافعة، لكن تختلف مقادير فوائدها ومنافعها، وفيها ما يضر من وجه كما ينفع من وجه مما أدخلوه فيها من آراء الرجال وزبالة أذهانهم، وفيها ما ينتفع به من كان عديم الإيمان أو ضعيف الإيمان، فيحصل به له بعض الإيمان أو يقوي إيمانه، وإن كان ذلك يضر من كان قوي الإيمان، ويكون رجوعه إليه ردة في حقه، بمنزلة من كان معتصما بحبل قوي وعروة وثقى لا انفصام لها فاعتاض عن ذلك بحبل ضعيف يكاد ينقطع به، يحسب نفسه على شيء وهو في أوهن البيوت.

_____العقل شرط في العلم والعمل:

لما أعرض كثير من أرباب الكلام والحروف عن القرآن والإيمان بتقديمهم لما يسمونه عقليات من تلك الطرق التي ابتدعوها في الاستدلال على مسائل كثير منها مركوز في فطرهم لكنهم أضاعوها أو غفلوا عنها حين فسدت فطرهم، وهذا كاستدلالهم على وجود الصانع مثلا بطريق حدوث العالم وإثبات حدوث العالم عن طريق حدوث الأجسام، ومن المعلوم بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم والنقل المتواتر أنه دعا الخلق إلى الإيمان بالله ورسوله ولم يدع الناس بهذه الطريق، وآمن بالرسول من آمن به من المهاجرين والأنصار ودخل الناس في دين الله أفواجا ولم يدع أحدا منهم بهذه الطريق، ولا ذكرها أحد منهم، ولا ذكرت في القرآن، ولا في حديث الرسول، ولا دعا بها أحد من الصحابة.

وهؤلاء من أرباب الحروف تجدهم في العقل على طريق كثير من المتكلمة، يجعلون العقل وحده أصل علمهم، فيعلون من شأنه ويفردونه، ويجعلون الإيمان والقرآن تابعين له، والمعقولات عندهم هي الأصول الكلية الأولية المستغنية بنفسها عن الإيمان والقرآن، كأصول الجهمية والمعتزلة والأشعرية وغيرهم، ولكل طائفة من هذا الزيف والوهم نصيب.

ولما أعرض أيضا أرباب العمل والصوت عن القرآن والإيمان بتقديمهم لما يسمونه وجديات وذوقيات، تجد كثير من هؤلاء المتصوفة يذمون العقل ويعيبونه، ويرون أن الأحوال العالية والمقامات الرفيعة لا تحصل إلا مع عدمه، فيعادونه ويعزلونه، ويقرون من الأمور بما يكذب به صريح العقل ويأبى أن يصدقه ذو مسكة من عقل من عوام الناس فضلا عن مفكيرهم وعلمائهم، ويمدحون السكر والغياب والجنون والوله، لما يجدونه من المعارف والأحوال التي لا تكون إلا مع زوال العقل والتمييز.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير