تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كان أحفظ منه، بل هو حافظ الأمة على الإطلاق، يؤدي الحديث كما سمعه، وهكذا الناس بعدهما قسمان:

قسم الحفاظ الذين يعتنون بالضبط والحفظ والأداء الحرفي كما سمعوا، ولا يعملون عقولهم فيفجرون النصوص، فلا يستنبطون ولا يستخرجون كنوز ما حفظوه؛ كأبي زرعة وأبي حاتم وابن دارة وقبلهم كبندار محمد بن بشار وعمرو الناقد وعبد الرزاق وقبلهم كمحمد بن جعفر غندر وسعيد بن أبي عروبة وغيرهم من أهل الحفظ والإتقان.

وقسم جمع الاستنباط والفقه إلى الرواية، واعتنى بتفجير النصوص والتفقه فيها؛ كالليث بن سعد ومالك والشافعي والأوزاعي وإسحق والإمام أحمد بن حنبل والدارمي والبخاري وأبي داود ومحمد بن نصر المروزي.

فهاتان الطائفتان هم الذين قبلوا ما بعث الله تعالى به رسوله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين رفعوا به رأسا، وأما الطائفة الثالثة وهم أشقى الخلق الذين أعرضوا فلم يقبلوا هدى الله ولم يرفعوا به رأسا، فلا حفظ ولا فهم، ولا رواية ولا دراية ولا رعاية، إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا.

وهذا كلام اللالكائي –رحمه الله- ننقله بتمامه لما فيه من عظيم الفوائد: من تبيين فضل أصحاب الحديث على الناس وبما استحقوه ولو كره من كره، ثم تبيين فخرهم وعظم قدرهم وشرف ذكرهم وعلو اسمهم بانتسابهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستنادهم على سنته والتعويل عليها في إصلاح الذات والرد على المبطل، ثم تبيين وجه تسميتهم بأهل الحديث من الكتاب والسنة، ثم تبيين صفاتهم وأخلاقهم ومكانتهم في الأمة بما حفظوه لها، إذ بهم حفظ الله تعالى الدين.

قال اللالكائي في اعتقاد أهل السنة ج: 1 ص: 23 - 26

"فضل أصحاب الحديث على الأمة: فهؤلاء الذين تعهدت بنقلهم الشريعة، وانحفظت بهم أصول السنة، فوجبت لهم بذلك المنة على جميع الأمة، والدعوة لهم من الله بالمغفرة، فهم حملة علمه ونقلة دينه وسفرته بينه وبين أمته وأمناؤه في تبليغ الوحي عنه، فحرى أن يكونوا أولى الناس به في حياته ووفاته، وكل طائفة من الأمم مرجعها إليهم في صحة حديثه وسقيمه، ومعولها عليهم فيما يختلف فيه من أموره.

انتساب أهل الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم كل من اعتقد مذهبا فإلى صاحب مقالته التي أحدثها ينتسب وإلى رأيه يستند، إلا أصحاب الحديث، فإن صاحب مقالتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم إليه ينتسبون، وإلى علمه يستندون، وبه يستدلون، وإليه يفزعون، وبرأيه يقتدون، وبذلك يفتخرون، وعلى أعداء سنته بقربهم منه يصولون، فمن يوازيهم في شرف الذكر، ويباهيهم في ساحة الفخر وعلو الاسم.

وجه تسميتهم بأهل الحديث: إذ اسمهم مأخوذ من معاني الكتاب والسنة، يشتمل عليهما لتحققهم بهما، أو لاختصاصهم بأخذهما، فهم مترددون في انتسابهم إلى الحديث بين ما ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه فقال تعالى ذكره: {الله أنزل أحسن الحديث}؛ فهو القرآن، فهم حملة القرآن وأهله وقراؤه وحفظته، وبين أن ينتموا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم نقلته وحملته، فلا شك أنهم يستحقون هذا الاسم لوجود المعنيين فيهم لمشاهدتنا أن اقتباس الناس الكتاب والسنة منهم، واعتماد البرية في تصحيحهما عليهم، لأنا ما سمعنا عن القرون التي قبلنا ولا رأينا نحن في بكذا مبتدعا رأسا في إقراء القرآن، وأخذ الناس عنه في زمن من الأزمان، ولا ارتفعت لأحد منهم راية في رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما خلت من الأيام، ولا اقتدى بهم أحد في دين ولا شريعة من شرايع الإسلام، والحمد لله الذي كمل لهذه الطايفة سهام الإسلام، وشرفهم بجوامع هذه الأقسام، وميزهم من جميع الأنام، حيث أعزهم الله بدينه، ورفعهم بكتابه، وأعلى ذكرهم بسنته، وهداهم إلى طريقته وطريقة رسوله، فهي الطايفة المنصورة، والفرقة الناجية، والعصبة الهادية، والجماعة العادلة المتمسكة بالسنة، التي لا تريد برسول الله صلى الله عليه وسلم بديلا، ولا عن قوله تبديلا، ولا عن سنته تحويلا، ولا يثنيهم عنها تقلب الأعصار والزمان، ولا يلويهم عن سمتها تغير الحدثان، ولا يصرفهم عن سمتها ابتداع من كاد الإسلام، ليصد عن سبيل الله ويبغيها عوجا، ويصرف عن طرقها جدلا ولجاجا، ظنا منه كاذبا وتخمينا باطلا أنه يطفي نور الله، والله متم نوره ولوكره الكافرون.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير