تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مكانة أهل الحديث وصفاتهم: واغتاظ بهم الجاحدون الأعظم والجمهور الأضخم، فيهم العلم والحكم والعقل والحلم والخلافة والسيادة والملك والسياسة، وهم أصحاب الجمعات والمشاهد والجماعات والمساجد والمناسك والأعياد والحج والجهاد، وباذلي المعروف للصادر والوارد، وحماة الثغور والقناطر الذين جاهدوا في الله حق جهاده، واتبعوا رسوله على منهاجه، الذين أذكارهم في الزهد مشهورة، وأنفاسهم على الأوقات محفوظة، وآثارهم على الزمان متبوعة، ومواعظهم للخلق زاجرة، وإلى طرق الآخرة داعية، فحياتهم للخلق منبهة، ومسيرهم إلى مصيرهم لمن بعدهم عبرة، وقبورهم مزارة، ورسومهم على دارسة وعلى تطاول ناسية، يعرف الله إلى القلوب محبتهم، ويبعثهم على حفظ مودتهم، يزارون في قبورهم كأنهم أحياء في بيوتهم، لينشر الله لهم بعد موتهم الأعلام حتى لا تندرس أذكارهم على الأعوام، ولا تبلى أساميهم على مر الأيام، فرحمة الله عليهم ورضوانه وجمعنا وإياهم في دار السلام.

حفظ عقيدة أهل الحديث: ثم إنه لم يزل في كل عصر من الأعصار إمام من سلف أو عالم من خلف قايم لله بحقه، وناصح لدينه فيها، يصرف همته إلى جمع اعتقاد أهل الحديث على سنن كتاب الله ورسوله وآثار صحابته، ويجتهد في تصنيفه ويتعب نفسه في تهذيبه رغبة منه في إحياء سنته، وتجديد شريعته، وتطرية ذكرهما على أسماع المتمسكين بهما من أهل ملته، أو لزجر غال في بدعته، أو مستغرق يدعو إلى ضلالته، أو مفتتن بجهالته لقلة بصيرته(انتهى كلام اللالكائي).

وهذا الحاكم –رحمه الله- ينقل كلام الأئمة كالإمام أحمد وغيره في وسم من طعن في أهل الحديث وتسلط عليهم بالسب والشتم، بالزندقة والإلحاد، وعلى ما أعتقد في إمامة هؤلاء الأئمة وعدالتهم، قالوا ما قالوه لأنهم قد عرفوا منهم في طعنهم في أهل الحديث الطعن في السنة النبوية وبالتالي يتسنى لهم الطعن في الدين، وهو لا يبدر إلا من منافق زنديق.

قال الحاكم في معرفة علوم الحديث ج: 1 ص: 4

"سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد الحنظلي ببغداد يقول: سمعت أبا إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي يقول: كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي ثم أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل فقال له أحمد بن الحسن: يا أبا عبد الله ذكروا لابن أبي فتيلة بمكة أصحاب الحديث فقال: أصحاب الحديث قوم سوء، فقام أبو عبد الله وهو ينفض ثوبه فقال: زنديق زنديق زنديق، ودخل البيت، سمعت أبا علي الحسين بن علي الحافظ يقول: سمعت جعفر بن محمد بن سنان الواسطي يقول: سمعت أحمد بن سنان القطان يقول: ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث، وإذا ابتدع الرجل نزع حلاوة الحديث من قلبه، سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى يقول: سمعت أبا نصر أحمد بن سلام الفقيه يقول: ليس شيء أثقل على أهل الإلحاد والبدع ولا أبغض إليهم من سماع الحديث وروايته بإسناد، قال أبو عبد الله: وعلى هذا عهدنا في أسفارنا وأوطاننا كل من ينسب إلى نوع من الإلحاد والبدع لا ينظر إلى الطائفة المنصورة إلا بعين الحقارة ويسميها الحشوية، سمعت الشيخ أبا بكر أحمد بن إسحاق الفقيه وهو يناظر رجلا فقال الشيخ: حدثنا فلان فقال له الرجل دعنا من حدثنا إلى متى حدثنا؟ فقال له الشيخ: قم يا كافر ولا يحل لك أن تدخل داري بعد هذا، ثم التفت إلينا فقال: ما قلت قط لأحد لا تدخل داري إلا لهذا"، (انتهى كلام الحاكم).

وهذا الإمام الخطيب يبين أنه لما كان الناس صنفان: جاهل وفاهم، كان أهل الحديث كذلك، حيث أن الجاهل منهم هو الذي سلط على الحديث وأهله بعض الأغمار ممن تصدر للفتوى والكلام في العلم وهو ليس من أهله، وكانوا مطية أهل الأهواء ومركب أهل البدع للوقيعة في سلف العلماء والطعن عليهم والتجرؤ على ذم ما هم عليه من العلم والعمل، قد أعيتهم السنة أن يحفظوها، فجانبوا ما استثقلوا، وعادوا ما جهلوا، وخاضوا في الدين بالضعيف والموضوع والرأي الفاسد والكلام المذموم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير