تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم إن ما ذكر من فضول الكلام وزيادته التي لا تفيد مع اعتقاد أنه طريق إلى العلم لتحقيق التصور والتصديق هو في أهل الكلام والمنطق بما لا مجال للمقارنة بينهم وبين أهل الحديث، فأهل الكلام هم أحق بالحشو وفضول الكلام من أهل الحديث، وإذا قابلنا بينهم وجدنا ما عند أهل الكلام شر مما عند أهل الحديث، فبإزاء احتجاج أولئك بالحديث الضعيف، احتجاج هؤلاء بالحدود المتوهة والأقيسة الكثيرة العقيمة، والتي لا تفيد معرفة ولا تنتج علما، بل تفيد جهلا وتلد ضلالا، وبإزاء قلة الفهم وعدم الفقه عند أهل الحديث، تكلف أهل الكلام من القول على الله بغير علم والتكلم من غير دليل شرعي أو عقلي وإن زعموا أنه كذلك؛ ما هو أعظم من ذلك وأكثر سوءا، وما أحسن قول الإمام أحمد: ضعيف الحديث خير من رأي فلان.

ثم إن ما يتكلم به أهل الحديث وإن لم يفهم معناه ولم يدرك مغزاه بعضهم هو كلام في نفسه حق، وقد آمنوا بذلك، فهذا الإيمان يحسب لهم وليس عليهم، وأما المتكلمة فيتكلفون من القول ما لا يفهمونه ولا يعلمون أنه حق، بل قد يكون باطلا فيحسب عليهم، وكذلك أهل الحديث لا يستدلون بحديث ضعيف في نقض أصل عظيم من أصول الشريعة، بل يستعملونه في تأييد ذلك الأصل أو في تأييد فرع من الفروع، بل عند التقرير لا يستدلون إلا بالصحيح، بينما أهل الكلام يحتجون بالحدود والمقاييس الفاسدة في نقض الأصول الحقة الثابتة، كما فعلوا في نفي صفات الله سبحانه وتعالى الثابتة بالكتاب والسنة الصحيحة، وكما فعلوا في تأويلها على غير مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهم يحسبون أنهم على شيء.

الرد على الدكتور عمارة في اتهامه لأهل الحديث بالنصية والحرفية:

وأما ما عاب به الدكتور عمارة وغيره أهل الحديث من كونهم حرفيين ونصيين، فإن من ورائه خلفية فكرية تتمثل في كون ظاهر النصوص هل هو مراد لله ورسوله أو غير مراد، وهؤلاء مخطئون من وجهين: تارة يجعلون المعنى الفاسد ظاهر اللفظ حتى يجعلونه محتاجا إلى تأويل يخالف الظاهر ولا يكون كذلك، وتارة يردون المعنى الحق الذي هو ظاهر اللفظ لاعتقادهم أنه باطل.

وحتى يستبين الأمر نذكر على سبيل المثال قوله في الحديث: عبدي جعت فلم تطعمني، الحديث وفى الأثر الآخر: الحجر الأسود يمين الله في الأرض فمن صافحه أو قبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه، وقوله: قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، فقالوا: قد علم أن ليس في قلوبنا أصابع الحق، فيقال لهم: لو أعطيتم النصوص حقها من الدلالة لعلمتم أنها لم تدل إلا على حق، أما قوله: الحجر الأسود يمين الله فى الأرض فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه، فهو صريح فى أن الحجر الأسود ليس هو صفة لله، ولا هو نفس يمينه، لأنه قال: يمين الله فى الأرض، فإضافة في الأرض تبين المعنى، وقال فمن قبله وصافحه فكأنما صافح الله وقبل يمينه، ومعلوم أن المشبه ليس هو المشبه به، ففي نفس الحديث بيان أن مستلمه ليس مصافحا لله، وأنه ليس هو نفس يمينه، فكيف يجعل ظاهره كفرا، حتى يحتاج إلى التأويل، مع أن هذا الحديث إنما يعرف عن ابن عباس، وأما الحديث الآخر فهو فى الصحيح مفسرا، يقول الله: عبدي جعت فلم تطعمني، فيقول: رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلانا جاع فلو أطعمته لوجدت ذلك عندي، عبدي مرضت فلم تعدني، فيقول: رب كيف أعودك وأنت رب العالمين، فيقول: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلو عدته لوجدتني عنده، وهذا صريح فى أن الله سبحانه لم يمرض ولم يجع، ولكن مرض عبده وجاع عبده فجعل جوعه جوعه ومرضه مرضه، مفسرا ذلك بأنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ولو عدته لوجدتني عنده، فلم يبق فى ظاهر الحديث ما يعاب حتى يحتاج إلى تأويل.

وأما قوله قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، فإنه ليس فى ظاهره أن القلب متصل بالأصابع، ولا مماس لها، ولا أنها فى جوفه، ولا في قول القائل هذا بين يدي ما يقتضى مباشرته ليديه، وإذا قيل السحاب المسخر بين السماء والأرض لم يقتض أن يكون مماسا للسماء والأرض، ونظائر هذا كثيرة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير