تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والميزان، وله من الردود على المعتزلة والقدرية والرافضة والجهمية وبيان تناقضهم ما أوجب أن يمتاز بذلك عن أولئك ويعرف له حقه وقدره، وبما وافق فيه السنة والحديث صار له من القبول والأتباع ما صار، فقطب رحى ذيوع صيته وشهرته وكثرة أتباعه كان له بما وافق فيه أهل السنة والحديث وبدفاعه عنها، قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ج: 4 ص: 17: "ولهذا تجد أعظمهم موافقة لأئمة السنة والحديث أعظم عند جميعهم ممن هو دونه، فالأشعري نفسه لما كان أقرب إلى قول الإمام أحمد ومن قبله من أئمة السنة كان عندهم أعظم من أتباعه، والقاضي أبو بكر بن الباقلاني لما كان أقربهم إلى ذلك كان أعظم عندهم من غيره، وأما مثل الأستاذ أبي المعالي وأبي حامد ونحوهما ممن خالفوا أصوله في مواضع فلا تجدهم يعظمون إلا بما وافقوا فيه السنة والحديث، وأكثر ذلك تقلدوه من مذهب الشافعي في الفقه الموافق للسنة والحديث، ومما ذكروه في الأصول مما يوافق السنة والحديث، وما ردوه مما يخالف السنة والحديث، وبهذا القدر ينتحلون السنة وينحلونها و إلا لم يصح ذلك".

فهذا شيخ الإسلام يبين أن ذيوع المذهب الأشعري لم يكن إلا باتباعه لمذهب الإمام أحمد في المسائل العلمية ولنصرته لمذهب أهل السنة والحديث لا للكلام، ولدفاعه عن هذا المذهب، ولانتحال أتباعه مثل الأستاذ أبي المعالي الجويني وأبي حامد الغزالي لمذهب الشافعي في الفقه صار له من الأتباع ما صار.

ما فضل به أهل الحديث على سائر الطوائف:

وحتى نستكمل ما فضل به أهل الحديث على سائر الطوائف نذكر أمورا منها إقرار أئمة الكلام والفلسفة وشهادتهم على أنفسهم وعلى بني جنسهم بالضلال، بينما أهل الحديث لا يشهد أحد على نفسه بذلك، وكذلك رجوع أئمة الكلام إلى مذهب عموم أهل السنة وعجائزهم كثير، بينما أئمة السنة والحديث لا يرجع منهم أحد، لأن الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد، وكذلك شهادتهم لأهل الحديث بالسلامة والخلاص من أنواع الضلال، بينما أهل الحديث لا يشهدون لأهل البدع إلا بالضلال، وكذلك تجد أهل الكلام إذا ما ظفروا من سنة رسول الله بما يؤيد مذهبهم أشادوا به وعظموه، بينما أهل الحديث لا تجدهم يعظمون الكلام وإن وافق ما ذهبوا إليه، وكذلك كون جميع الطوائف المتقابلة من أهل الأهواء تشهد لهم بأنهم أصلح من الآخرين وأقرب إلى الحق، فتجد كلام أهل النحل فيهم وحالهم معهم بمنزلة كلام أهل الملل مع المسلمين وحالهم معهم.

وأما ما عاب به المتكلمون أهل الحديث من حشو القول فمرجعه لأمرين:

-قلة المعرفة: كأن يحتجوا بأحاديث ضعيفة أو موضوعة أو بآثار لا تصلح للاحتجاج.

-قلة الفهم: كأن لا يفهموا معنى الأحاديث الصحيحة، أو كأن يقولون القولين المتناقضين ولا يهتدون للخروج من ذلك.

والأمر راجع إلى شيئين: إما زيادة أقوال غير مفيدة يظن أنها مفيدة، كالأحاديث الموضوعة، وإما أقوال مفيدة لكنهم لا يفهمونها أو يفهمونها على غير مراد الله ورسوله، إذ كان اتباع الحديث يحتاج أولا إلى صحة الحديث وهو العلم بالرواية، وثانيا إلى فهم معناه وهو العلم بالدراية، والخلل قد يدخل عليهم من ترك إحدى المقدمتين أو الإخلال بهما جميعا، ومن عابهم من الناس فإنما يعيبهم بهذا، ولا ريب أن هذا موجود في بعضهم لا يستطيع أحد أن يجحده وهو كثير ومشاهد عيانا، يحتجون بأحاديث موضوعة في مسائل الأصول والفروع، وآثار مفتعلة، وحكايات غير صحيحة، ويذكرون من القرآن والحديث الصحيح ما لا يفهمون معناه، وربما تأولوه على غير تأويله، ووضعوه على غير موضعه.

ومع إخلالهم بالمقدمتين قد يكفرون ويضللون ويبدعون أقواما من أعيان الأمة، ويجهلونهم، ففي بعضهم من البغي والعدوان ما قد يكون بعضه خطأ مغفورا، وقد يكون منكرا من القول وزورا، وقد يكون من البدع والضلالات التي توجب غليظ العقوبات، فهذا لا ينكره إلا جاهل أو ظالم، لكنهم وإن كان فيهم ما فيهم من العيوب إلا أنه في غيرهم أكثر، فهم بالنسبة إلى غيرهم في ذلك كالمسلمين بالنسبة إلى بقية الملل، ولا ريب كل شر يكون في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر، وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعلى وأعظم، وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير