فَلاَ يَجِبُ تَرْكُ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى نَصًّا , وَأَحَادِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُتَوَاتِرَةً قَدْ قَبِلَتْهَا الآُمَّةُ , وَعَمِلَتْ بِهَا مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إلَى الْيَوْمِ - إلَى حَدِيثٍ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٍ , رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى.)
وتبعه ابن البطال فقال: (ثم أنزل الله بعد ذلك: {مِنَ الْفَجْرِ} وذهب علم ذلك على حذيفة، وعلمه غيره، فعمل حذيفة بما علم إذ لم يعلم الناسخ، وعلم غيره، الناسخ فصار إليه، ومن علم شيئا أولى ممن لم يعلمه فدل ما ذركناه على أن الدخول فى الصيام من طلوع الفجر)
وكذلك ابن حجر والعيني
التوجيه الثاني: قال الإمام النسائي: (فإن كان رفعهُ صحيحاً فمعناه: أنَّه قرب النهار، كقول الله عزَّ وجلَّ: (فإذا بلغن أجلهن) الطلاق: 2 , معناه: إذا قاربن البلوغ؛ وكقول القائل: «بلغنا المنزل» إذا قاربه.)
واختاره الطبري فقال: (لأنه غير مستنكر أن يكون صلى الله عليه وسلم شَرب قبل الفجر، ثم خرج إلى الصلاة، إذ كانت الصلاةُ -صلاة الفجر- هي على عهده كانت تُصلى بعد ما يطلع الفجر ويتبيَّن طلوعه ويؤذَّن لها قبل طلوعه.
وأما الخبر الذي رُوي عن حذيفة:"أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يتسحر وأنا أرى مَواقعَ النَّبل"، فإنه قد استُثبتَ فيه فقيل له: أبعد الصبح؟ فلم يجب في ذلك بأنه كان بعد الصبح، ولكنه قال:"هو الصبح". وذلك من قوله يُحتمل أن يكون معناهُ: هو الصبح لقربه منه، وإن لم يكن هو بعينه، كما تقول العرب:"هذا فلان" شبها، وهي تشير إلى غير الذي سمَّته، فتقول:"هو هو" تشبيها منها له به، فكذلك قول حذيفة:"هو الصبح"، معناه: هو الصبح شبها به وقربا منه.)
وقال السيوطي: (أنه كنى عن الصبح الكاذب لأن الصبح الكاذب إذا أضاء وهم الناظر أن الصبح الصادق قد طلع)
وقال الجصاص: (وهي نظير قول النبي صلى الله عليه وسلم: «هَلُمَّ إِلَى الْغَدَاءِ الْمُبَارَكِ» فسمى السحور غداء لقربه من الغداء كذلك لا يمتنع أن يكون حذيفة سمى الوقت الذي تسحر فيه نهارا لقربه من النهار.) بتصرف
التوجيه الثالث: أنه محمول على سبيل الشك والظن وعدم التيقن من طلوع الفجر
قال الإمام ابن رجب: (ومن المتأخرين من حمل حديث حذيفة على أنه يجوز الأكل في نهار الصيام حتى يتحقق طلوع الفجر، ولا يكتفي بغلبة الظن بطلوعه.
وقد نص على ذلك أحمد وغيره؛ فإن تحريم الأكل معلق بتبين الفجر، وقد قال علي بعد صلاته للفجر: الآن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر, وأنه يجوز الدخول في صلاة الفجر بغلبة ظن طلوع الفجر كما هو قول أكثر العلماء على ما سبق ذكره.
وعلى هذا، فيجوز السحور في وقت تجوز فيه صلاة الفجر، إذا غلب على الظن طلوع الفجر، ولم يتيقن ذلك, وإذا حملنا حديث حذيفة على هذا، وأنهم أكلوا مع عدم تيقن طلوع الفجر، فيكون دخولهم في الصلاة عند تيقن طلوعه والله أعلم.
ونقل حنبل عن أحمد، قال: إذا نور الفجر وتبين طلوعه حلت الصلاة، وحرم الطعام والشراب على الصائم.
وهذا يدل على تلازمهما، ولعله يرجع إلى أنه لا يجوز الدخول في الصلاة إلا بعد تيقن دخول الوقت.)
قال الإمام ابن كثير: (وهذا الذي قاله هو المتعيَّن حملُ الحديث عليه: أنهم تسحروا ولم يتيقنوا طلوع الفجر، حتى أن بعضهم ظن طلوعه وبعضهم لم يتحقق ذلك.)
التوجية الرابع: قال الجصاص: (ولو ثبت حديث حذيفة من طريق النقل لم يوجب جواز الأكل في ذلك الوقت لأنه لم يعز الأكل إلى النبي ? وإنما أخبر عن نفسه أنه أكل في ذلك الوقت لا عن النبي ? فكونه مع النبي ? في وقت الأكل لا دلالة فيه على علم النبي ? - بذلك منه وإقراره عليه) قلت: هذا فيه تكلف ظاهر , فيكفي أنها حدثت في زمن التشريع , ولو جهلها النبي ? لأنبأه الله عز وجل.
2 - وأما حديث آذان ابن أم مكتوم, فهو لا يدل على ما ذهبتم إليه
¥