قلت: وكما هو مقرر في علم الأصول أن الأمر بالشيء نهي عن ضده. ومعلوم أن النبي? قد أمربالصلاة في البيوت وهي تصلى على صفة الانفراد لأنها خير،وينهى عن ضدها وهي الصلاة في المساجد في جماعة لأنها شر،وخصص واستثنى الصلاة المكتوبة أو ماكان في حكمها كصلاة الكسوف فتعتبرمكتوبة وواجبة.
فإذن الصلاة جماعة في المسجد من شر الأمور، وبما أنها نسخت فصلاتها في المسجد جماعة محدثةوقد حذرنا النبي ?من المحدثات فقال عنها: إن شر الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة.وعلى هذا التأصيل المتقدم ينبغي أن نقدم قول النبي ? في حكم صلاة الجماعة في المسجد ولو كانت لليلة واحدة، بأن صلاتها في المسجد محدثة لورود النسخ،وأنها من شر الأمور، على مارآه عمرعندما جمع الناس على إمام واحد فرأى أنها من (خير الأمور) وليس بشر الأمور.
1 - قوله: إلا في قيام رمضان.لأنه لم يعلم بإنكار اانبي? أو الصحابة? ولوعلم لذكره.
2 - بدائع الصنائع1/ 298 - أخرى 3/ 203والموسوعة الفقهية 27/ 154.
3 - عمدة القاري7/ 66.
(3)
عن ابن شهاب، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عبد القارئ، أنه قال: خرج عمر بن الخطاب ليلة في رمضان والناس يصلون قطعا فقال: «لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان خيرا»، فجمعهم على أبي بن كعب، فقال: «نعمت البدعة هذه». (1)
بما هناك دليل على النسخ وهو حديث زيد فيتوجب العمل به، و المنسوخ هو ترك القيام في ليالي الأوتار وقد حصل الترك في عهد الخليفتين ثم انسحب هذا الترك إلى آخر خليفة راشد،وهو ماحدث فيما تبقى من خلافة عمر?كان القيام لجميع ليالي الشهر الذي وصفه بالبدعة الحسنة واستمر إلى عصر الخليفة الرابع علي بن أبي طالب ?،ولم يخصصوا القيام في الأوتار، فأصبح ترك ليالي الأوتار في عهد الخلفاء الأربعة إجماعا معتبرا عملا بالناسخ موافقا لحديث زيد ? فالأمة عملت بالناسخ. (2)
قال أبو هريرة: فكان يرغبهم في قيام الليل من غير أن يأمرهم بعزيمة أمر ويقول:من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه قال: فتوفي رسول الله ?والأمر على ذلك ثم كذلك حتى كان في خلافة أبي بكر الصديق وصدرا من خلافة عمر حتى جمعهم عمر على أبي بن كعب فقام بهم في رمضان فكان ذلك أول اجتماع الناس على قارئ واحد في رمضان. (3)
قال ابن حجر: والأمر على ذلك:أي على ترك الجماعة في التراويح. ولأحمد من رواية ابن أبي ذئب عن الزهري في هذا الحديث"لم يكن رسول الله ? جمع الناس على القيام". (الفتح4/ 317)
وقال النووي: معناه استمر هذه المدة، على أن كل واحد يقوم رمضان في بيته منفردا حتى انقضى صدرا من خلافة عمر. [شرح مسلم للنووي 3/ 38 دارالدعوة الإسلامية]
ترك الخلفاء الأربعة وعدم قيامهم في المساجد في تخصيص القيام في ليالي الأوتار فيه دليل على نسخهن عملا بحديث زيد (إلا المكتوبة) الناسخ، وخصوصا في ترك الخليفتين أبي بكر وعمر?.
قال الشاطبي:على أن أبا عبد الله الحاكم نقل عن يحيى بن آدم قول السلف الصالح: سنة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أن المعنى فيه أن يعلم أن النبي? مات وهو على تلك السنة وأنه لا يحتاج مع قول النبي ? إلى قول أحد وما قال صحيح في نفسه فهو مما يحتمله حديث العرباض رضي الله عنه فلا زائد إذا على ما ثبت في السنة النبوية إلا أنه قد يخاف أن تكون منسوخة بسنة أخرى فافتقر العلماء إلى النظر في عمل الخلفاء بعده لعلموا أن ذلك هو الذي مات عليه النبي ?من غير أن يكون له ناسخ لأنهم كانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمره وعلى هذا المعنى بنى مالك بن أنس في احتجاجه بالعمل ورجوعه إليه عند تعارض السنن. [الاعتصام 1/ 60]
1 - أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده 2/ 83رقم7542.وابن خزيمة 3/ 338رقم (2207) ..
2 - الإجماع في الاصطلاح: هو اتفاق مجتهدي أمة محمد ? في عصر من العصور بعد وفاته على أمر ديني 3 - الفريابي في الصيام1/ 162 وابن أبي شيبة 2/ 165رقم7703.
(4)
¥