على أنه في الحقيقة نظر الغير لا يغني عن نظر النفس، فقد تكون المرأة جميلة عند شخص وغير جميلة عند شخص آخر، وقد يرى الإنسان ـ مثلاً ـ المرأة على حال غير حالها الطبيعية؛ لأنه أحياناً يكون الإنسان في حال السرور وما أشبه ذلك له حال، وفي حال الحزن له حال، وفي الحال الطبيعية له حال أخرى، ثم إنه ـ أيضاً ـ بعض الأحيان إذا علمت المرأة أنه سينظر إليها أدخلت على نفسها تحسينات، فإذا نظر إليها ظن أنها جميلة جداً، وهي ليست كذلك.
وعلى كل حال نقول: إن ظاهر السنة أن النظر إلى المخطوبة سنة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر به وقال: «إنه أحرى أن يؤدم بينكما» (1)، أي: يؤلف بينكما."
اهـ. الشرح الممتع (12/ 10)
وعند تأمل أحاديث الباب، نقول أن حديث الواهبة، نص على أنه عليه الصلاة والسلام صعد النظر اليها وصوبه، وليس في هذا دليل على أنه حصر نظره في الوجه والكفين وفقط،، فقد يقال أنه عليه السلام لما رأى أنها ليس فيما ظهر له منها – أيا كان – ما يعجبه، لم يتكلف النظر أو السؤال عن أكثر من ذلك .. فلو أن وجه المرأة – مثلا - لم يعجب الخاطب من بادي النظر فانه لن يحتاج الى تطلب ما هو أكثر من ذلك، وقد تحقق المراد في حقه اذ علم أنها لا تعجبه.
وأما حديث المغيرة بن شعبة وقول النبي عليه السلام له: " انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما"، فانه أطلق فيه القول بالنظر، والمقام مقام حاجة الى البيان والضبط كما هو واضح فلا يصح فيه كتمان البيان عن وقت الحاجة، فلو أنه ليس له الا النظر الى الوجه والكفين منها وفقط، لم يسغ أن يكتم النبي عليه السلام بيان ذلك له اذ يأمره بالنظر "اليها" بهذا الاطلاق.
وأما حديث أبي هريرة وقول النبي عليه السلام " فاذهب فانظر إليها. فإن في أعين الأنصار شيئا"
فقد يقول فيه قائل أنه يبين أن المراد من النظر النظر الى الوجه بالذات لأنه تكلم عن شيء في العين .. ونقول أنه لا يلزم من ذلك التخصيص، والا لقيل أن المشروع والمقصود من النظر هو النظر الى العين وفقط دون غيرها، وهذا لا نعلم قائلا به! فلا يؤخذ من الحديث تقييد أو تخصيص، وانما هو تعليل لحالة بعينها.
وأما حديث جابر فهو أقوى ما رأيت دلالة على أن الأمر مناطه تحقق مقصد الترغيب في النكاح .. فان تحقق المقصد من النظر الى الوجه لم يجز مجاوزته لانتفاء العلة حينئذ والتي نقلت الحكم الى خلاف الأصل .. ذلك أن الرسول عليه السلام في رواية جابر يقول: " إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " فكان الحد هو تحقق ما يكفي ليدعوه الى نكاحها .. فان لم يكفه الوجه في ذلك، فلينظر الى الرأس، وان لم تكفه اليد، فلينظر الى القدم .. وفي العادة فانه يكفي في ذلك النظر الى المرأة وهي فيما تظهر به بين محارمها، فالذي يظهر منها عادة – بحسب عادة السلف فهي الضابط – في بيتها وبين محارمها هو اليد والقدم وما قد يظهر من الساق، والرأس والشعر والرقبة .. وليس هناك دليل على أن جابرا لما تخبأ لها لينظر اليها عملا بهذا الحديث، كان يتحرى ألا ينظر الا الى وجهها وكفيها وفقط! بل لا يكون من التخبؤ فائدة أصلا لو كان لا يريد الا النظر الى الوجه والكفين!
ولو أن الخاطب المتخبئ لمخطوبته تمكن من رؤية رأسها حاسرة– مع أمن الفتنة، وربما بالاتفاق مع وليها من غير علمها – فبأي دليل يقال له أنه قد جاوز بذلك ما يبيحه الشرع له وهو الوجه والكفان فقط؟؟ وهل يطالب ان رآها حاسرة وهو مختبئ لها، بغض بصره عن ذلك حتى لا ينظر منها الى ما لا يجوز له النظر اليه؟؟ يحتاج صاحب هذه الدعوى الى دليل يخالف به عموم الحديث!
ومع ذلك فاننا نقول أن مبالغة الظاهرية في اطلاق ما له أن ينظر اليه منها حتى جعلوه جميع جسدها ما ظهر منه وما بطن هكذا باطلاق، انما هي مبالغة مردودة عند أصحاب المروءة والحياء قبل أن تكون مخالفة لما أجمع عليه الفقهاء .. فليس من المتصور بحال من الأحوال أن يذهب الرجل الى ولي المرأة ويطلب منه أن تخرج له عارية، أو أنه يتخبأ لها ليراها وهي تستحم – مثلا!! هذا أمر تأباه الفطرة ولا يتصور أن يبيحه الشرع الحكيم حتى للخاطب الذي يريد أن ينكح تلك المرأة! ونظر الخاطب الى ما يظهر من المرأة عادة – وهو ما تكلم به الحنابلة منها – تتحقق به الكفاية ولا يحتاج الرجل الى الزايدة
¥