قال ابن الفرضي: "وكان يذهب مذهب الحجة والنظر، وترك التقليد، ويميل إلى مذهب الشافعي"، وقد أخذ قاسم مباشرة عن أصحاب الشافعي كأبي إبراهيم المزني وإبراهيم بن محمد الشافعي، وهما من كبار تلامذة الشافعي. وألف في مذهب الشافعي تواليف رد فيها على مخالفيه، منها كتاب: "الإيضاح في الرد على المقلدين"، رد فيه على كبار المالكية بالأندلس كيحيى بن إبراهيم بن مزين، وعبد الله بن خالد، والعتبي.
وقد أثنى عليه وعلى علمه صفوة علماء الأندلس، قال فيه رفيقه بقي بن مخلد: "لم يقدم علينا من الأندلس أعلم من قاسم "، وقال أحمد بن محمد بن عبد البر:" سمعت أحمد بن خالد و محمد بن عمر بن لبابة، يقولان: ما رأينا أفقه من قاسم بن محمد ممن دخل الأندلس من أهل الرحل (الرحلة)، وقال بقي بن مخلد أيضا: قاسم بن محمد أعلم من محمد بن عبد الله بن الحكم.
وذكره أبو محمد بن حزم الظاهري في "رسالته" فأثنى عليه ثناء جميلا فقال: "و نحن إذا ذكرنا قاسم بن محمد لم نباه به إلا القفال، ومحمد بن عقيل الفريابي، وهو شريكهما في صحبة المزني أبي إبراهيم و التلمذة له"، وقال في موضع آخر: "وتآليف قاسم بن محمد، المعروف بصاحب الوثائق، وكلها حسن في معناه، وكان شافعي المذهب نظاراً، جاريا في ميدان البغداديين".
ومع شافعيته، كان يفتي بمذهب أهل البلد، ولعل هذا كان سببا في ضمور المذهب الشافعي بالأندلس وعدم ظهوره، ولهذا لما ذكره ابن أبي دليم في طبقة المالكية قال: "كان يفتي بمذهب مالك، وقال غيره: كان يتحفظ كثيرا من مخالفة المالكية "، قال أحمد بن خالد: قلت له أراك تفتي الناس بما لاتعتقد؛ وهذا لا يحل لك، قال:إنما يسألوني عن مذهب جرى في البلد يعرف، فأفتيهم به، ولو سألوني عن مذهبي أخبرتهم.
و قد ترجم له القاضي عياض في ترتيب المدارك، وابن فرحون في الديباج المذهب، وهما كتابان في أعيان علماء مذهب مالك، وهذا يتعجب منه لأن قاسم بن محمد على مذهب الشافعي كما هو معروف، ولكن كم من شافعي أو ظاهري ترجم له في طبقات المالكية، ولعل السبب هو ما ذكرناه من الرغبة في الاستكثار والاستقواء بكثرة الأتباع، لا سيما المبرزين منهم.
وكان المحدث المسند بقي بن مخلد المتوفى سنة 276هـ أيضا، هو أول من أدخل كتب الشافعي الأندلس، وقد خلف من بعده نفراً طيبا من تلاميذه الذين درسوا المذهب الشافعي على يديه، وتمذهبوا به منهم:
2 - يحيى بن عبد العزيز، أبو زكرياء القرطبي المعروف بابن الخراز المتوفى سنة 295هـ، سمع العتبي، وعبد الله بن خالد وغيرهما من الأندلسيين. ورحل فسمع بمصر من المزني، والربيع بن سليمان المؤذن، ومحمد بن عبد الحكم، ويونس بن عبد الأعلى وغيرهم. سمع الناس منه "مختصر المزني" و"رسالة الشافعي" وغير ذلك من علم محمد بن عبد الله بن الحكم، وكان يميل في فقهه إلى مذهب الشافعي، وكان مشاوراً بقرطبة مع عبيد الله بن يحيى ونظرائه؛ أيام الأمير عبد الله ... وسمع الناس منه بالقيروان مستخرجة "العتبي" وغير ذلك من حديثه.
3 - هارون بن نصر القرطبي؛ أبو الخيار المتوفى سنة 302هـ صحب بقي بن مخلد نحوا من أربعة عشرة سنة، وأكثر الرواية عنه، وكان قد مال إلى كتب الشافعي، فعني بها، وحفظها، وتفقه فيها، وكان من أهل النظر والحجة، وسُمع محمد بن عمر بن لبابة يثني على أبي الخيار، ويقول:ليس يدري أحدٌ من هذا البلد ما يقول هذا , يعني: في الفقه.
4 - عثمان بن وكيل من أهل المدَور الأقصى، من حوز قرطبة.
5 - عثمان بن سعد الكناني من أهل جيان ويعرف بحَرقوص ويكنى أبا سعيد، توفي قريبا من سنة 320هـ.
6 - أسلم بن عبد العزيز بن هاشم بن خالد مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه المتوفى سنة319هـ، سمع من بقي بن مخلد وصحبه طويلا، ثم رحل إلى المشرق سنة 260 فلقي أبا يحيى المزني، والربيع بن سليمان المرادي صاحب الشافعي، ومحمد ابن عبد الله بن عبد الحكم ويونس بن عبد الأعلى وغيرهم، وله سماع بالأندلس من محمد بن عبد السلام الخشني وقاسم ابن محمد ونحوهم. ولي قضاء الجماعة بالأندلس لعبد الرحمن الناصر، قال الضبي: "وكان جليلا من القضاة، ثقة من الرواة، يميل إلى مذهب الشافعي".
¥