تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلا خير في العلم إذا لم يُصحب بالاهتداء ([63]) بالكتاب والسنة، إنهما أساس العلوم ومنبعهما؛ وقد تكفل الله لمن اتبعهما بألا يضلّ أبداً ولا يشقى، تكفل الله لمن تمسك بوحيه بالسعادة وحسن الغاية وعظيم الرضا ((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ ... )) [الإسراء:9] الآية.

من اهتدى بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، سار على الصراط المستقيم، والمنهج القويم، وعصمه الله من الفتن، وحفظه من المحن، وجعل في قلبه طمأنينةً، وفي صدره انشراحاً. ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)) [الأنعام:153].

فالناس تضلّ وهو يهتدي، والناس تنحرف وهو يسير على المنهج ((كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ)) [الفرقان:32]، حتى يلقى الله جل جلاله ... يلقاه بكتابه المبين، فإذا بالقرآن أمامه شفيعاً له بين يدي الله سبحانه وتعالى، فإن القرآن حجّاجٌ ([64]) لصاحبه بين يدي الله تعالى، حتى ينتهي به إلى الجنة.

فاتباع القرآن والسنة هو الاهتداء الحقيقي. ((وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) [الأعراف:158].

فالعبد الذي يريد أن يبارك له في علمه، يعضّ بنواجذه على الكتاب والسنة، واتباع هذه الشريعة والملة.

فإذا تشعبت الآراء، وتباينت الأهواء، وكثرت المحن، وادلهمّت الفتن، وجد وحي الله منيراً مشرقاً، ليست به ضلالة ولا غواية.

المَعْلَمْ الحادي عشر: العمل بالعلم:

أن يترجم هذا العلم للواقع، أن يخرجه الإنسان من قرار القلب إلى القالب، ومن الأقوال إلى الأفعال، يتمسك به ويطبقه ويلتزمه. ((فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ)) [الزخرف:43].

فإذا تعلم طالب العلم سنة أو حكمة، تمسك بها وعمل بها أشهد الله على أنه من أهلها، إن ترجمة العلم إلى الجوارح حياته، وكم من سنن أحييت لما خرج طلاب العلم فنشروها أمام الأمة بلسان الحال والمقال، قال الله تعالى عن علماء بني إسرائيل: ((وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)) [السجدة:24].

بعض طلاب العلم الذين شرح الله صدرهم للعلم والعمل إذا رأيتهم ذكّرتك بالله رؤيتهم ([65]).

العمل بالعلم كمال للإنسان، وأعظم ما يعين على ضبط العلم ووضع البركة فيه.

قالوا في الحكمة: اعمل بالحديث مرة، تكن من أهله ([66]). فمن عمل بما علم، ورّثه الله علم ما لم يعلم.

من الأخطاء أن يستهين الطالب بالسنة في التطبيق، يقول: هذا سنة وليس بواجب، نعم ليس بواجب ولكن في حق طالب العلم الذي ينبغي أن يكون أكمل وأحرص له شأن آخر، وليس العلم للحفظ، وإنما هو للعمل.

قال بعض السلف: (هتف العلم بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل) ([67]).

ومن العمل الذي ينبغي لطالب العلم المواظبة عليه: أذكار الصباح والمساء والدخول والخروج والشدة والرخاء ([68]).

وأن يجعل له ورد من قيام الليل وصيام النهار، يتزود به، ويجعل له حظاً من تشييع الجنائز، وزيارة القبور، وعيادة المرضى ([69]).

كذلك يحرص أن تكون بينه وبين الله حسنات لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى، كالإحسان إلى الأيتام ([70])، والأرامل، وزيارة الضعفاء ومواساتهم، ونحوها من الأعمال الصالحة التي يبارك الله في حال الإنسان بسببها تستوجب له الدعوات المباركات، والمحبة من الله سبحانه وتعالى ([71]). واقرأ في تراجم العلماء وسير الأئمة الذين مضوا –رحمة الله عليهم- تُحس بالهيبة والإجلال لهذا العالم؛ لأنه قرنَ القول بالعمل، حينما يقال: كان عالماً في التفسير .. إماماً في الحديث .. متواضعاً حليماً، وكان كثير الإحسان .. كثير الصدقات .. كثير البكاء من خشية الله .. كثير قيام الليل وصيام النهار، تُحِسّ بأثره، وتنتفع بعلمه، لذلك أوصي أن يحرص طالب العلم على العمل الذي هو بركة العلم.

كان زين ([72]) العابدين –رحمة الله عليه- علي بن الحسين مع العلم والصلاح والعمل، كان إذا جنّ عليه الليل، لبس ثياباً مبتذلة، وحمل على ظهره الطعام، ومضى به إلى بيوت الأرامل والأيتام، وهو إمام في زمانه، ولم يعلم أحد أن هذا هو زين العابدين، سليل بيت النبوة إلا بعد أن توفي، وفقدوا من كان يقرع عليهم بيوتهم بالصدقات في جوف الليل ([73]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير