سأنبيكَ عن تفصيلها ببيانِ
ذكاءٌ وحرصٌ واجتهادٌ وبُلغةٌ
وصحبةُ أستاذٍ وطول زمانِ
وهذا الإمام عبد الله بن وهب من أصحاب الإمام مالك –رحمة الله على الجميع- تفقه على الإمام مالك خمسة وعشرين سنة .. ربع قرن، سبحان الله، ونحن نستكثر ثلاث سنوات في كتاب معين ([82]).
والمنهج الذي تعلمت عليه هو إطالة الوقت في زمن الطلب.
أذكر أني قرأت سنن الترمذي على الوالد –رحمة الله عليه- في أربع سنوات، في كل ليلة درس، وصحيح مسلم في ست سنوات، في كل ليلة درس، ما عدا يومي الثلاثاء والجمعة، والموطأ في ثلاث سنوات ونصف، وصحيح البخاري ابتدأت مع الوالد واستمريت معه أكثر من عشر سنوات، وتوفي رحمه الله ولم أكمله عليه.
وجربنا طول النفس في الطلب، والإطالة في زمن الطلب فيها مزايا، منها: يخرج طالب العلم بمادة مكتملة وتصور واضح، ويتربى الطالب على الصبر وتحمل المشاق والمتاعب، وهي أدعى للإخلاص والضبط، وليس المهم أن تختم الكتاب على الشيخ، فالعبرة ليست بالكم وكثرة المشايخ، وإنما بالكيف والنتيجة والثمرة، وطالب العلم –والحمد لله- على خير وعبادة أثناء زمن الطلب يحتسب الأمر في التعب والنصب.
ففي الاستعجال جناية على العلم، ولا يمنع من هذا أن يوجد بعض الطلاب عنده ملكة في الفهم والحفظ، يمكن أن يحصل الكثير من العلم في وقت قليل.
المَعْلَمْ الرابع: مذاكرة العلم:
مما أضر كثيراً من طلاب العلم اليوم ([83]) أنهم لا يذاكرون، يأتي الشخص إلى مجلس العلم دون تحضير للدرس، فيفاجأ بأشياء، وتنهال عليه المعلومات، فلا يستطيع أن يضبط الدرس، لكن إذا كان عنده تحضير سابق مع مذاكرة ومناظرة لاحقة فإن هذا من أضبط ما يكون للعلم، وإذا انتهى من الدرس يرجع إلى البيت ويحاول يستذكر الشرح مرة ثانية، ولو كان معه طالب علم يتذاكر معه بحيث يكمل كل منهما النقص الذي ربما فات الآخر، لكان ذلك أضبط للعلم، والمذاكرة حياة العلم، كما قال بعض الفضلاء ([84]):
واعلم بأن العلم بالمذاكرة والدرس والفكرة والمناظرة
وكان السلف –رحمهم الله- يعرفون هذا كما قالوا:
(كنا نسمع الحديث من جابر بن عبد الله، فإذا خرجنا من عنده تذاكرنا، فإذا أبو الزبير أحفظنا .. ) ([85]).
ثم يفضل بعد الدرس وبعد المذاكرة مع طالب علم جيد وحريص على الفائدة أن تكتب المعلومات، أو تكتب ملخص استفدته من خلال الدرس ومن خلال المراجعة، هذا الملخص تعتبره كأساس لك في التحصيل، بحيث لو رجعت بعد ختم الكتاب ترجع إلى هذا الملخص، وتصبح المعلومات منضبطة مختصرة، ثم بعد ذلك تتوسع في شرحها والإضافة عليها، وما يستجدّ عندك من معلومات في كل باب وتحت كل مسألة بحسبها، وحسب توسعك في العلم والفن.
فإذا سار طالب العلم على هذه الطريقة، فإنه سيستفيد خيراً كثيراً، وأنبه على ضرورة اختيار طالب علم حريص على الفائدة، حتى لا يضيع وقتك.
الفصل الرابع
معالم في بعض أحكام الفتوى
تمهيد: في أهمية مقام الفتوى.
المَعْلَمَ الأول: الإخلاص في النية.
المَعْلَمَ الثاني: البصيرة وضبط العلم.
المَعْلَمَ الثالث: تحصيل الورع.
المَعْلَمَ الرابع: معرفة المصالح والمفاسد المترتبة على الفتوى.
المَعْلَمَ الخامس: تحصيل الخشية من الله.
المَعْلَمَ السادس: معرفة حال المستفتي.
تمهيد
الحديث في هذه (الأسطر) ([86]) عن ثغر من ثغور الإسلام، تبيِّن به الشريعة والأحكام ([87])، عن ذلك الثغر العظيم الذي تولى الله -جل وعلا- أمره من فوق سبع سماوات، ألا وهو الفتيا.
هذا الثغر الذي تتعطش الأمة في كل زمان ومكان إلى أهله ورجاله، الذين نور الله قلوبهم بالعلم، وشرح صدورهم بالعلم والحكمة والإيمان، فجعلهم به هداة مهتدين، يقولون الحق وبه يعدلون، هذا المقام العظيم الذي يقوم به المسلم مبلّغاً لشرع الله ودين الله عز وجل، فما أشرفه من مقام، وما أعظمه من ثغر جليل المرام، يوم يقف الإنسان لكي يبيّن الحلال والحرام ويفصّل الشريعة والأحكام، على نور من الله وهدى من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
¥