مر الشيخ أثناء عودته من الحج بمصر و اتصل بالأزهر ولقى علماءه.
موقفان يدلان على محبة الشيخ للعلم و تعظيمه له
الموقف الأول:
لما مر الشيخ بمصر حصلت بينه صلة مع محمد على باشا , حاكم مصر وقتها , فأتحفه بنجيبة من عتاق الخيل , وهى من النوع النادر الذي لا يملكه إلا السلاطين و الملوك. وكان غرض الأمير محمد على باشا ان يستخدم الشيخ الفرس لتوصله إلى وجهته في يسر وراحة ,غير ان الشيخ , لعلو همته وحبه للعلم وزهده في الدنيا ,أراد شيئا آخر فباع الفرس و اشترى بثمنها كتاب الحطاب و هو أهم شراح مختصر خليل ,أشهر مختصرات المذهب المالكي.
الموقف الثاني
بعد عودة الشيخ إلى المغرب قافلا من الحج أرسل له السلطان محمد بن عبد الله , وهو الذي جهز له باخرة ليحج بها , يستقدمه فأبى الشيخ ذلك قائلا ان العلم يؤتى ولا يأتي. فأمر السلطان الجنود بأن يحملوه إليه على الهيئة التي يجدونه عليها , فوجدوه على سرير يطالع كتابا فحملوه إلى السلطان دون ان يغير شيئا من حالته.
جهاده
كان الشيخ في رحلة للعلم والحج لكنه اغتنم فرصة وجوده في المغرب وعلاقته الطيبة مع السلطان فحمل السلاح وجاهد مع السلطان ضد البرتغاليين.
عودته إلى الوطن
بعد أن قضى الشيخ حوالي عشرين سنة فى طلب العلم بين المغرب والحجاز ومصر , و بعد ان حقق منيته فى الحج و زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم , و جمع فى ذاكرته علوم المشرق والمغرب وبعد ان تشرف بالمشاركة في جهاد أعداء الله والذود عن حمى الدين والأوطان , استهل رحلة الإياب إلى وطنه يحركه شوق أحر من الجمر بعد طول غياب. لكن كما يقول المثل العامي في بلاد شنقيط " الرجل إذا غاب لا يسأل عن طول مكثه إنما عن ثمرة غيابه".
عاد إلى وطنه بعد ر حلة مباركة مثمرة علما وجهادا وطاعة, وكأن الشيخ في طلبه للعلم كان يطبق قول القائل:
أخي لن تنال العلم إلا بستة *سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص و اجتهاد و بلغة *و همة أستاذ و طول زمان
و هكذا كان الشيخ وأكثر.
عاد الشيخ إلى مدينته "تجكجة" ليبدأ مرحلة جديدة من حياته ملؤها العطاء والجد. يبث العلم و يربى المريدين و يصلح شؤون البلاد والعباد ويجاهد لإعلاء كلمة الله ونشر شرعه.
مدرسة الشيخ
أسس الشيخ سيدي عبد الله مدرسة في مدينته ما لبثت ان أصبحت قبلة المتعطشين للعلم من جميع مناطق البلاد , فتخرج فيها الجيل بعد الجيل من العلماء الذين نشروا العلم والمعرفة و رفعوا لواء الدين حيثما توجهوا.
التجديد في مدرسة الشيخ
تميزت مدرسة الشيخ من بين المحاظر (الجامعات الشعبية الموريتانية) , فهي أول مدرسة تم فيها تدريس مادة الأصول , وكذلك اهتمت اهتماما متميزا بمصطلح الحديث و بعلوم البلاغة و البديع والبيان لفهم القرءان والحديث.
و تجلى تميز المدرسة بثورة الشيخ على بعض الثوابت , فمع أن الشيخ مالكي المذهب إلا أنه قد يخالف الإمام مالك في المسألة إذا اتضح له الصواب في غير قول مالك رحمة الله عليه.
زهده وورعه وعبادته
كان الشيخ رحمه الله زاهدا في الدنيا لا يعجبه شيء منها ولا يهتم بها يقول عنه ابنه محمد محمود: كان رحمه الله لا يحب شيئا من الدنيا سوى الكتب فانه يحبها حبا جما.
وكان رحمه الله معلق القلب بالمساجد, يعبد الله آناء الليل وأطراف النهار, كان مواظبا على تلاوة القرءان و كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, يداوم على النوافل كلها و لا يفعل خيرا و يتركه بعد ذلك.
كان يغلب عليه الخوف من الله تعالى فلم يره أحد ضاحكا قط , لكنه كان يتبسم و يقول القهقهة محرمة عند الصوفية مكروهة عند الفقهاء.
وكان, رحمه الله شديد التمسك بالسنة , فارا من البدعة ومنكرا على أهلها.
مؤلفاته.
كان الشيخ يقسم وقته بين التدريس و العبادة وإمامة المسجد و شؤون بيته و تربية أبنائه و إصلاح أحوال المسلمين و تأليف الكتب والفتوى.
فقد بارك الله في عمره و عمله وألف عدة مصنفات نافعة منها:
1 - طلعة الأنوار في مصطلح الحديث
2 - غرة الصباح في اصطلاح البخاري
3 - فيض الفتاح على نور الإقاح في علوم البلاغة
4 - مراقي السعود و شرحه شرحا سماه نشر البنود , في أصول الفقه
5 - مطالع التنوير في آفاق التطهير
6 - النوازل في الفقه
7 - مسوغات الفطر للصائم
8 - روضة النسرين في الصلاة على سيد الكونين
منظومة مراقي السعود
¥