تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حدّث هذا الغلام بقصته بعد ما كبر قائلاََََ: دعاني والدي ـ رحمه الله ـ وكان عمري قرابة 13 سنة فقال: يا بني الرياض فيه حلق العلم وفيه مضيفه يحصل لك فيها العشاء كل يوم، وفيه، وفيه، ...... وسوف ترتاح هناك ـ إن شاء الله ـ وسوف نبعثك مع هذا الرجل، ويعرفك بكل ما تريد، قال فبكت بكاء شديد وقلت أمثلي يستغني عن أهله؟ كيف أفارق والدتي وإخوتي وما ألفت، وكيف أصرّفُ نفسي في بلدة غريبة عليّ، فأنا متعبٌ وأنا عند أهلي فكيف إذا كنت عند غيرهم! وأنا لا أريد ذلك، قال فزجرني والدي وأغلظ عليّ القول، ثم أعطاني ثيابي، وقال توكل على الله اذهب وإلا فعلتُ بك كذا وكذا، ارتفع صوتي بالبكاء وإخوتي حولي صامتون، ثم أمسك صاحب الجمل بيدي، ووعدني بالخير والراحة التامة، ومشيت وأنا أبكي ثم أمرني أن أمسك طرف خشبة خلف الجمل فكان يسير أمام الجمل وأنا خلفه وقد علا صوتي بالبكاء، وأتحسر على فراق أهلي، ومضت 9 أيام وإذا نحن في الرياض، ثم وضعني في الجامع ودلني على البئر والضيافة، لكن ما زلت كارهاًَ متحسراًَ، أبكي بين الحين والحين، وأقول في نفسي كيف أعيش في بلد لا أعرف فيها شيئاًَ، لا يعرفني فيها أحد وتمنيت لو كنت مبصراًَ لهمت على وجهي في الصحراء، لكنه من رحمه الله أن قيْض لي أناساًَ في الجامع، عطفوا عليّ فأخذوني إلى الشيخ عبد الرحمن القاسم ـ رحمه الله ـ وقالوا هذا رجل غريب، فأتى الشيخ، وسألني عن اسمي ولقبي، ومن أي البلاد؟ ثم أجلسني بجواره، وأنا أكفكف دمعي فقال: يا بني ما شأنك؟ فأخبرته خبري فقال: خيراًَ ـ إن شاء الله ـ لعل الله أن ينفعك وينفع بك، أنت ولدنا، ونحن أهلك وسوف ترى ما يسرك عندنا، وسوف نضمك إلى الطلبة الذين يطلبون العلم ونجعل لك سكنا وفيه طعام وإخوة لك في الله يقومون برعايتك.

فقلت: جزاك الله خيراًَ، لا أريد ذلك، أريد أن تحسنوا عليّ فترجعوني إلى أهلي مع أحد القافلين إلى القصيم، فقال: يا بني جرّب ما عندنا فإن طاب لك المقام وإلا ستصل إلى أهلك ـ إن شاء الله ـ ثم نادى رجلاًَ فقال: ضم هذا الغلام إلى فلان و فلان وقل لهم استوصوا به خيراًَ، فأمسك بيدي وذهب بي إلى أخوين فاضلين فرحبا بي، فجلست عندهما وأخبرتهما بحالي، وكرهي الشديد لهذا المقام، ومفارقة أهلي فما كان منها إلا أن حدثاني بحديث تسلية ووعدا بالخير وطلب العلم فاطمأننت لهما وأحسنا بي ـ جزاهم الله عني أحسن الجزاء ـ لكني ما زلت محزوناًَ كارهاًَ، أبكي بين الحين والحين على فراق أهلي.

كان مسكن الأخوين غرفة قرب المسجد فمكثت عندهما، أذهب وأجئ معهما نذهب لصلاة الفجر، ثم نجلس في المسجد في حلقة القرآن حتى يتعالى النهار، فقد كان الشيخ يحفظنا ثم بعد ذلك نعود إلى الغرفة فنستريح ساعة ونطعم ما تيسر، ثم نعود إلى الحلقة مرة أخرى نمكث إلى الظهر ثم نستريح للقيلولة ثم نعود للحلقة بعد العصر، وهكذا استمررنا فبدأت أطمئن شيئاَ فشيئاَ، كل يوم أفضل من الذي قبله، وشرح الله صدري لحفظ القرآن خاصة بعد تشجيع الشيخ – رحمه الله – واهتمامه بي ورأيت أني أتقدم في الحفظ يوما بعد يوم، والشيخ يشحذ همم الطلاب ويقول: لماذا لا تكونون مثل ........... ؟ انظر إلى جده وحرصه، وهو رجل كفيف! فكنت أنشط بهذا الكلام مع ما يحصل بيني وبين الزملاء من منافسه، ولم يمض علي شهر ونصف إلا وقد رزقني الله الطمأنينة وراحة النفس حتى أصبحت أتلذذ بهذه الحياة الجديدة، ولما مضى علي 7 أشهر قلت في نفسي – سبحان الله – كم فيما تكره النفس من الخير وهي عنه غافلة!!، .. كيف أبكي وأحزن على الحياة البائسة عند أهلي؟ .. جهل وفقر وتعب واهمال و احتقار وأحس أني عالة عليهم، استمررت على هذا الوضع، فلم يمض 10 أشهر إلا وأنا أحفظ القرآن بكامله – بحمد الله – ثم عرضته على الشيخ مرتين ثم قام الشيخ معي وذهب إلى المشايخ الكبار، وهم الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم وعرفهم بي ثم قال ستنظم في حلقة العلم، ومراجعة القرآن تكون بعد صلاة الفجر يتابع لك فلان، وبعد صلاة المغرب يتابع لك فلان، فبدأت أحضر إلى حلقة المشايخ ونهل من العلم بجد واجتهاد، وكانت دروس في العقيدة، والتفسير، والفقه وأصوله، والحديث، وعلومه والفرائض، فالدروس منتظمة، وكل وقت فنون من الفنون وكنت مع مرور الأيام تزداد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير