[دار الكتب المصرية .. ذاكرة الأمة وتراثها]
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[11 - 04 - 09, 06:14 م]ـ
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[دار الكتب المصرية .. ذاكرة الأمة وتراثها]
أحمد تمام
تعددت جوانب الإصلاح التي نهض بها "علي مبارك"، سواء ما اتصل منها بجانب العمران والتشييد، أو ما امتدت إليه يداه في جانب التعليم والتثقيف، وله في كل منها يد محمودة وفضل مشكور، وكان من مآثره الباقية إنشاء "دار الكتب المصرية" التي حفظت ذاكرة الأمة وتراثها.
وقد عرفت حواضر الخلافة الإسلامية ومدنها الشهيرة دور الكتب التي تفتح أبوابها لجمهور العلماء والباحثين، ولعل أقدم مكتبة أنشئت كانت "بيت الحكمة" التي بلغت ذروة مجدها وعطائها في زمن الخليفة "المأمون العباسي"، وكان شغوفًا بالعلم، مكرمًا لأهله يجلهم ويعرف أقدارهم، فجمع لها أهم الكتب الموجودة، وكلّف المترجمين بنقل أمهات المخطوطات اليونانية والسريانية إلى العربية، وظل العلماء يترددون عليها حتى نهاية القرن الرابع الهجري.
وكان من نصيب القاهرة أن أنشئت فيها خزانة كتب العصر الفاطمي، وكانت تضم كثر من ستمائة مجلد، حتى وصُفت بأنها من عجائب الدنيا، وأنه لم يكن في جميع بلاد الإسلام دار كتب أعظم منها، ثم بيعت بعد سقوط الدولة الفاطمية، وقيام دولة صلاح الدين الأيوبي، وانتقى منها القاضي فاضل مائة ألف كتاب قبل عملية البيع، ووضعها في مدرسته "الفاضلية".
ومع ظهور المدارس السنية ودور الحديث في مصر والشام في العصر الأيوبي والمملوكي حلت مكتباتها محل مكتبات قصور الخلفاء ودور العلم، وأصبحت تقدم خدماتها لطلابها وشيوخها، وقد لقيت تلك المدارس دعمًا من السلاطين والأمراء والأثرياء الذين كانوا يوقفون لها الأراضي والضياع والأموال؛ رغبة في استمرار وظيفتها، وحفاظًا على رسالتها.
وحرص الواقفون على وضع الشروط التي تصون ذخائر مكتباتها من التلف والضياع، والقوانين والآداب التي يلتزم بها المترددون من نظم الاطلاع والاستعادة والنسخ، وغير ذلك من الأساليب التي تعد نموذجًا لما يعرف الآن باسم الخدمة المكتبية.
وفي أواخر العهد العثماني خرجت من مصر كثير من المخطوطات بطرق غير مشروعة استقرت في مكتبات أوروبا، ثم جاءت الحملة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر لتستولي على العديد من المخطوطات النادرة التي عرفت طريقها إلى المكتبة الأهلية في باريس.
دواعي إنشاء دار للكتب
لم يكن هناك وعي تام بأهمية الكتب التي تمتلكها مصر والتي تتوزع في المساجد الكبيرة الجامعة وقصور الأمراء والأثرياء، وبيوت العلماء، ولم يكن هناك ما يمنع من الاتجار في تلك المخطوطات النادرة أو يحول دون نقلها، وأدى تردد كثير من التجار الأجانب على القاهرة لشرائها لصالح مكتباتهم الوطنية إلى تسرب كثير منها.
وانتبه إلى خطورة هذا الوضع الذي ينذر بضياع ثروة مصر الفكرية "علي مبارك باشا"، وكان يشغل رئاسة ديوان المدارس، فرأى ضرورة قيام مكتبة كبيرة تضم شتات الكتب المبعثرة في أماكن متعددة؛ صونًا لها وحماية من الضياع والتبدد، وسبق له أن شاهد في أثناء بعثته في فرنسا مكتبتها الوطنية في باريس فأعجب بها أيما إعجاب، فألقى برغبته إلى الخديوي إسماعيل، وكان يجيش في نفسه مثل هذه الرغبة، فتلاقت الرغبتان، فأصدر الخديوي قرارًا بإنشاء دار تجمع المخطوطات النفيسة التي سلمت من الضياع والتبديد.
نواة دار الكتب
تكونت النواة الأولى لدار الكتب من "الكتبخانة" القديمة التي أنشأها "محمد علي" وجعل مقرها القلعة، ومكتبات الجوامع التي قام ديوان الأوقاف في عام 1265 هـ = 1849م، بحصر محتوياتها، وما اشتراه الخديوي إسماعيل من مكتبة شقيقة "مصطفى فاضل"، وكانت مكتبة هائلة، تضم نوادر المخطوطات ونفائس الكتب، وتبلغ محتوياتها 3458 مجلدًا
ومن هذه المجموعات وغيرها تكونت الكتبخانة الخديوية، وبلغ ما جمع لها نحو عشرين ألف مجلد، واتخذت من الطابق الأرضي بسراي الأمير مصطفى فاضل بدرب الجمامي.
وضع لائحة دار الكتب
¥