حتى كان يقول: إني لا يحلّ لي أن أُضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة أو مناظرة وبَصَري عن مًطالَعة، أعملت فكري في راحتي وأنا مُنطرِح، فلا أنهض إلا وقد خَطَرَ لي ما أُسطِّره، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة.
لماذا هذا الحرص على الوقت؟؟؟
أما لماذا؟
فلأن الوقت أثمن ما يملكه البشر
قال ابن هبيرة رحمه الله:
والوقتُ أنفسُ ما عُنيتَ بحفظه ... وأراه أسهل ما عليك يضيعُ
نعم. الوقت لا يُقدّر بثمن.
ولذا يُسأل الإنسان عن وقته الذي أمضاه طيلة حياته
فيُسأل يوم القيامة:
عن عمره فيمَ أفناه؟
وعن شبابه فيمَ أبلاه؟
فيُسأل عن مرحلة الشباب؛ لأنها هي مرحلة القوة، ومرحلة الاكتساب، وفيها الصحة والفراغ بخلاف حال الكِبَر، وهي ومرحلة العمل للدار الآخرة.
كثير من الشباب أو الفتيات يقولون: إذا بلغنا الأربعين تُبنا!
أو يقول بعضهم: إذا كبرنا عقلنا! [هكذا يقولون]!!!
وما علموا أن من شبّ على شيء شاب عليه، ومن شاب على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعِث عليه.
ثم ما الذي يضمن لهؤلاء الأعمار؟
من يضمن لهم أن يعيشوا إلى ستين أو سبعين سنة؟
ثم إذا عاشوا هذا العمر، فمن يضمن لهم السلامة من الآفات؟
مَنْ يزور بعض المستشفيات يرى شبابا في مقتبل أعمارهم بعضهم لا يستطيع أن يقضي حاجته، وبعضهم على كرسي متحرك منذ عشر سنوات أو أكثر.
كم يتمنى بعضهم أن يُعطى العافية ليستغل دقائق عمره.
وكم يتحسّر على أيام شبابه التي أمضاها في غير طاعة الله.
فلا تقل: لا زالت في مرحلة الشباب
ولا تقولي: لا زلت صغيرة
ولا تقل: إذا كبُرت فسوف اعمل وأعمل
ولكن بادر الآن واستغل وقتك فهو عمرك، وسوف تسأل عنه.
وتذكروا أن الفراغ نعمه يجب استغلاله في طاعة الله، حتى لا تكن من الخاسرين.
قال صلى الله عليه على آله وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ. رواه البخاري.
والغبن هو الخسارة البيّنة.
فمتى اجتمعت الصحة والفراغ فقد تمّت النعمة للعباد.
فقد يُعطى الإنسان الصحة ولا يُعطى الفراغ، فيكون يكدح طوال النهار، ثم يأتي آخر النهار وهو في غاية الجهد والتعب والإعياء والنَّصَب.
وقد يكون الإنسان فارغاً ولكنه منشغل بصحته، فليس لديه صحة ليعمل في فراغه.
فمتى ما اجتمعت الصحة مع الفراغ ولم يستغلها المسلم أو المسلمة فقد تمّت خسارتهم.
فحتى لا تكن ممن خسر الخسران المبين في عمره وصحته عليك باستغلال وقتك.
كان يُقال لنا في وقت الصبا قول من لا ينطق عن الهوى: اغتنم خمساً قبل خمس؛ شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك.
فما عرفنا قيمة الفراغ إلا بعد أن شغلتنا أموالنا وأهلونا!
قال الإمام الشافعي – رحمه الله –:
صحبت الصوفية فلم أستفد منهم سوى حرفين:
أحدهما: قولهم: الوقت سيف، فإن لم تقطعه قطعك.
والثاني: قولهم: نفسك إن لم تشغلها بالحق وإلا شغلتك بالباطل.
كم نُضيع الأعمار؟
فإذا جاء الصيف قلنا حرّ!
وإذا جاء الشتاء قلنا بَرْد!
وإذا جاء الربيع شُغلنا بزينته!
إذا كان يؤذيك حرّ المصيف ... ويُبسُ الخريف وبَرْدُ الشتاء
ويُلهيك حسنُ زمانِ الربيع ... فأخذك للعلم قل لي: متى؟؟؟
وأما من لم يغنم وقته فسوف يندم محسناً كان أو مُسيئا
إن كان مُحسِناً ندّم أن لا يكون ازداد إحسانا
وإن كان مُسيئا ندم على إساءته وتفريطه بوقته
ولذا قال عليه الصلاة والسلام: ما من أحد يموت ألا ندم. قالوا: وما ندامته يا رسول الله؟ قال: إن كان محسنا ندِم أن لا يكون أزداد، وإن كان مسيئا ندم أن لا يكون نزع. رواه الترمذي
قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما ندمت على شيء ندمي على يومٍ غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يَزِد فيه عملي.
فيا لحسرة ضياع الأوقات وفوات الباقيات الصالحات
فالكافر أو المُفرِّط يتمنّى يوم القيامة أن لو استغل ساعات عمره فعمل لآخرته
(يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)
فهو لا يتمنّى غير ذلك في تلك الساعة.
ويوم القيامة يُوبّخ الكافر على تضييعه لعُمرِه
¥