تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[وقفة عند أم القرى]

ـ[أبي عبدالله الأثري المديني]ــــــــ[30 - 12 - 08, 09:33 ص]ـ

جُبل الناس على الانبهار بالمعجزات لأنها أمور غير سائدة، ومازال الفضول يدفعهم حتى يومنا إلى الجري وراء من يزعمون القيام بها. ولكن قليلا منهم من سيقرؤون معجزات الله فيما خلقه حولهم، وما اكثر المعجزات التي يشير إليها القرآن ليحرك العقول إلى قدرة الله، سواء في الأرض أو في السماء، من نبات وحيوان وجبال وسحاب ورياح ومطر وثمر وطعام وشراب. بل وفي كيان الانسان نفسه، وفي نشأته وتكوين اعضائه، وتطور سنه، وفي ظواهر الكون من شمس وقمر وليل ونهار ونجوم وكواكب ومنها الآيات التالية على سبيل المثال:

- "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. وإلى السماء كيف رفعت، والى الجبال كيف نصبت. إلى الأرض كيف سطحت" (الغاشية 17 - 20).

- "إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" (آل عمران: 19).

- "وفي انفسكم أفلا تبصرون" (الذاريات: 21).

وبذلك حرك القرآن العقول إلى آلاف النعم، وحث على طلب العلم وإعمال الفكر في مئات من الآيات، التي ينتهي بعضها باستنكار كل من لا يتبع ذلك، على نحو:

إن في ذلك لآيات لأولي الألباب .. أفلا يعقلون .. أفلا يبصرون .. ولو كانوا يعلمون .. أفلا يتفكرون. ولكن لأن القرآن الكريم كتاب تزكية وحكمة، فانه لم يتطرق إلى شرح تفاصيل المعجزات، وتركها للعقول لتستوعبها، على ضوء العلوم التي تتطور على مر العصور.

ولذلك فعندما ذكرت بعض الأماكن في القرآن، أشار الله إلى لمحات من تاريخها، وقدسيتها، وأسباب تميزها، على نحو ما ذكر عن بيت المقدس ومكة والتي ورد اسمها فيه "بكة"، وقليل من البلدان كمصر، ومدين وبابل.

قدسية البيت

تنسحب القدسية على مكة لسبب إلهي، وليس لأسباب بشرية بوضعه فيها أول بيت اختار الله أن يجعل له سرا على الأرض، يهز قلوب الناس، قبل أن يبهر عيونهم، بقوله تعالى:

"أن اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين" (آل عمران - 96).

ويستلفت الفكر هنا كلمة "وُضع"، أي أن الله وضعه، ولم يضعه في أول الأمر أحد من البشر. وخلع الله على هذا المكان "قدسية" خاصة ومزايا لا تتوافر لأماكن أخرى غيره، ولذلك فهي مزايا غير مادية ولا بشرية ولا جمالية، مما تعود عليه البشر، بل هي مزايا "حسية" لا تتوافر للجماد ولا للمكان ولايحس بها إلا المؤمنون وهذا ما توضحه الآية:

"وإذ جعلنا البيت مَثَابةً للناس وأمنا .. " (من البقرة - 125).

والمثابة هو المكان الذي يروق للإنسان أن يَرجع إليه، ويلوذ به طلبا للأمن والطمأنينة وراحة النفس.

ولذلك فإنه على مر العصور وتغير الأزمان، تطور تطهير المكان الذي انخلعت عليه مزايا قدسية آلهية، وكلف إبراهيم وابنه برفع قواعده ليعلو أمام أعين الناس:

"وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود" (آل عمران -125).

"وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل، ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم" (آل عمران - 127).

ولا شك أن "الوضعية القدسية" لمكان البيت، كانت من قبل إبراهيم وربما من عهد آدم أو من قبله، ثم تعرض مكانه لنوازل طبيعة ربما كطوفان نوح. ولذلك كلف الله إبراهيم بعدما اهتدى إلى الله بعقله ووصفه الله بأنه "كان حنيفا مسلما" برفع القواعد، بمعنى إعادة البناء، والعلو به فوق الأرض، بعد أن أوشك أن يندثر مكانه.

وبرهان أن القدسية التي خلعها الله على البيت الحرام، روحية وليست مادية، أنه تعرض على مسار التاريخ لنزوات بعض البشر فلم تتزلزل هذه القدسية، ولا ذهبت عنه. وحسبنا قصة أصحاب الفيل الذين زحفوا بقيادة "ابرهة" الحبشي عازمين على هدم الكعبة، آتين من صنعاء التي كانوا قد احتلوها، وأقاموا بها كنيسة أرادوا أن ينافسوا بها مكانة البيت الحرام، ويحولوا دون تدفق الحجيج إليه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير