تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فكرة أن نذهب إلى طه حسين هي فكرتي. قد هدم العقاد الدنيا كلها دون أن يهتز له جفن. وهدمها واتجه يبحث عن شيء آخر يهديه. ولم ينتبه إلى أنه أصابنا في مقتل. يقال إن الإسكندر قد ذهب في غزواته إلى آسيا. نظر إلى السماء فسألوه: لماذا؟ قال: أبحث عن مكان آخر أغزوه!

غرور. طيش شباب. والعقاد لم يلتفت إلى شيء آخر يبديه. لم ينظر إلينا. كأنه هدم الأوثان والأبطال جميعا، داخل دنيانا من كل من نحب ونعجب به.

يا أستاذ كأنك الجرجون يا أستاذ .. الجرجون التي إذا نظرت إلى شيء صار حجرا وإذا نظرت للناس أو النبات أو الحيوان كلهم يصيرون أحجارا. وهذا ما فعله الأستاذ. قد أمات كل شيء حولنا ولنا ..

وكما أن حيوان الجرجون لما ضاقوا به قدموا له مرآة. رأى نفسه فيها فصار حجرا أيضا .. ولا بد أن نذهب إلى طه حسين ليحول هذه الصحارى القاحلة إلى شيء حي جميل .. لا يمكن أن يكون طه حسين قد أمات الدنيا وعاش على جثث المفكرين والفلاسفة والأدباء .. لا يمكن. إنها فكرتي أن نذهب إلى طه حسين نسأله نستهديه .. إنه عندما تحدث عن الشعر في العصر العباسي كان عاشقا يحب ما يقول. والذي لا يعجبه يقوله بذوق بلطف، بينما العقاد يمسك فأسا يعلو على كبيرنا ويقول إنه لا ينطق. طه حسين ليس عوليس الذي يبذر الأرض بالملح ويتوقع أن تنبت. فالأرض لا تنبت بالملح .. وطه حسين لا يميت أحدا ويمشي في جنازته ..

وكنت أول المتكلمين. وقبل أن أنطق قال طه حسين: أين أنت يا سيدي!

وتلفتُّ حولي فوجدته يكلمني أنا .. ويقول يا سيدي .. أريد أن أشرح لك كيف قالها. الوجه باسم والرأس عالٍ ويتجه إليك ويظل يبتسم ويقول: وحشتنا يا سيدي أين كنت ما الذي ومن الذي شغلك عنا .. ؟

أنا يسألني ويقول لي إنني انشغلت بغيره عنه. ما هذا الأدب. ما هذه الرقة. ثم إنه أستاذ عظيم. لا يقلل منه ومن قدره أنه يقربنا منه أستاذا لطلبة وأبا لأبناء .. شيخا لحَوارِيّين ..

وجاء أحد الزملاء يتكلم .. فسبقته إلى الكلام: أستاذنا العظيم. إننا في محنة. إننا في حالة ضياع .. لقد ضاع منا كل شيء .. لقد أضاع وهدم وأباد وأعدم كل الدنيا ..

قال طه حسين: من يكون هذا يا سيدي ..

قلت: العقاد ..

قال: هاها .. وماذا قال لكم العقاد؟

قلت وأطلت. وضحك طه حسين قائلا: اسمع يا سيدي!

لرابع مرة: طه حسين!

الله .. الله على الذي قاله طه حسين. لم يشتم العقاد وإنما قال لنا: إن العقاد عصبي مزاجه حاد. وشكواه من المصران الغليظ نتيجة لحالته العصبية. والعقاد لم يكن أستاذا جامعيا حوله المئات من الطلبة .. وإن كان العقاد يحتقر الأستاذ الجامعي والجامعة. ولما قيل للعقاد إنهم سيعطونه الدكتوراه الفخرية قال: ومن الذي يستطيع أن يمتحن العقاد. والدكتوراه الفخرية ليس لها امتحان .. إنها هدية من الجامعة أو من أية هيئة علمية. ولكنه لا يعرف. ولم يشأ أن يسأل فهو لا يرى أحدا أعلم منه. ونحن في المجمع اللغوي نناقش معاني الكلمات ودلالتها. وأذكر مناقشة بين العقاد ومنصور باشا فهمي عن الزمن والزمان والدهر والأبدية والسرمدية. ومنصور باشا فهمي رجل لطيف ومهذب ورقيق جدا. سأل عن الفرق بين الزمن والزمان.

وانفجر العقاد ضاحكا ساخرا. إن الزمن كلمة ولكن الزمان أطول ولذلك يجب أن نجعل الألف تمتد إلى ما لا نهاية هاها .. هاها .. ولم يضحك أحد وغضب منصور باشا بصورة واضحة. ولم يحاول العقاد ترضيته أو الاعتذار له .. وحاولت أن أخفف من وقع هذه الصاعقة. فقلت لا فرق بين الزمان والزمن. كلها لحظات محسوبة. وهي إذا قورنت بالخلود والأبدية فهذه أطول وهذه أقصر. ولا بد أن نعود في هذا الرأي إلى علماء الفيزياء هم الذين يقيمون الزمن. وهم الذين يقولون ما قاله أينشتين من أن الزمن هو البعد الرابع للطول والعرض والارتفاع ولسنا الذين نحكم في مثل هذه القضايا ..

وقال طه حسين: أنت يا سيد أنيس من المعجبين جدا بالعقاد. تعلن ذلك كثيرا ..

فقلت: ولكني لا أستطيع يا أستاذ أن أهاجم العقاد وأرد عليه .. صعب نفسيا. ولكني أقول كما قلت يا أستاذ إنها لحظة عصبية جعلته يطيح بكل ما ليس عباس العقاد ..

وضحكة طه حسين أو ابتسامته هي التي فيها سخرية لطيفة مهذبة. ويقول إن كذلك فولتير ..

وتحدث طه حسين عن العصر العباسي للشعر وتحدث عن المتنبي وأبي تمام. وأعاد المقارنة وقال: المتنبي كان كالعقاد في عصبيته .. ولم يقل إن أبا تمام كان هادئا راسخا كطه حسين ..

وقال طه حسين: هذا موعد الغداء. نلتقي غدا. فغدا سوف يكون ممتعا. ولم نعرف السبب. ولكن من الذي يرفض دعوة طه حسين!

ـ[أنوار]ــــــــ[17 - 12 - 2009, 03:44 م]ـ

عجباً كيف غابت عني هذه الزاوية ..

شكراً لهذا النقل الثرِ أستاذ عامر .. جعل في موازين حسناتكم

ـ[عامر مشيش]ــــــــ[17 - 12 - 2009, 11:31 م]ـ

عجباً كيف غابت عني هذه الزاوية ..

شكراً لهذا النقل الثرِ أستاذ عامر .. جعل في موازين حسناتكم

بارك الله فيك أختي أنوار

وإذ قرأت مقالات أنيس عن طه حسين فلابد أن تقرئي مقالاته عن العقاد فإليك هذا الرابط

بعض مقالات أنيس منصور عن العقاد - شَبَكةُ الفَصِيحِ لِعُلُومِ اللُّغةِ العَرَبِيّةِ ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=52963)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير