تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[النقد الإيجابي .. ضرورة ملحة]

ـ[د/علي اليعقوبي]ــــــــ[15 - 02 - 2010, 01:07 ص]ـ

[النقد الإيجابي .. ضرورة ملحة]

د/علي يوسف اليعقوبي

إن النقد الإيجابي؛ الحر والبناء، هو الذي سما بأسلافنا؛ صحابة رسول الله:=، وارتقى بهم، حتى صاروا أكثر أهل الأرض تحضرًا وتمدنًا – زمانًا ومكانًا – فامتدت دولتهم من المحيط الأطلسي غربًا، حتى بلاد الصين شرقًا، فها هو أبو بكر: r يوم تولى الخلافة يخاطب المسلمين، بل ويحثهم على ممارسة حقهم في النقد الحر، والتقويم الفاعل، والتصويب البناء " أيها الناس: إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فسددوني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم، ألا إن أقواكم عندي؛ الضعيف حتى آخذ الحق له، وأضعفكم عندي؛ القوي حتى آخذ الحق منه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ".

وينهج الفاروق (رضي الله عنه) المنهج نفسه، حين ردتّه امرأة ونبهته إلى الحق، فأعلنها مدوية عبر الزمان والمكان، وهو في خطبته على ملأ من الناس فقال: " أصابت امرأة وأخطأ عمر. وسأل رجل عليًا (رضي الله عنه)، فأجابه. فقال: ليس كذلك يا أمير المؤمنين، ولكن كذا وكذا، فقال: أصبتَ وأخطأتُ. وفوق كل ذي علمٍ عليم. واستدرك ابن مسعود على أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما، فقال أبو موسى؛ لا تسألوني عن شيء وهذا الحبر بين أظهركم. وذلك لما سئل أبو موسى عن رجل قاتل في سبيل الله فقتل، فقال: هو في الجنة. وكان أميرَ الكوفة، فقام ابن مسعود فقال: أعده على الأمير فلعله لم يفهم؟ فأعاد عليه، فأعاد الجواب، فقال ابن مسعود: وأنا أقول: إن قتل فأصاب الحق فهو في الجنة، فقال أبو موسى: الحق ما قال. وهكذا يكون إنصاف طالب الحق؟ " (1) هذا هو المنهج الإسلامي في التعامل مع كل قضايا الكون؛ صغيرها وكبيرها ... أعزنا الله به و فضلنا من أجله على كثير ممن خلق, ولكن سنة ماضية في هذا الكون (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (2)، فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا، فهاهم القوم (الأوروبيون) قد أخذوا عنا هذا المبدأ العظيم؛ مبدأ المحاسبة والمساءلة، فقننوه وطبقوه في كل شأن من شئون دنياهم، حتى صار لهم وثيقة شرف مقدسة، ومبدأ حياة ثابت، لا مجاملة في حدوده، ولا محاباة في تطبيقه، ولا يند عنه صغير القوم ولا كبيرهم.

إن النقد الإيجابي هو تصحيح للمسار، وإضاءة للسبيل، و هو بالنسبة للأمم مسألة حياة أو موت, فهاهم أعداء الإسلام يبذلون كل غال ونفيس, ويشهرون كل أسلحة الزيف والتضليل، والخداع والتحقير والتهوين، في سبيل ثني المسلمين وإبعادهم عن اتباع منهجهم الإسلامي في شتى مناحي الحياة.

إن الواجب علينا – نحن المسلمين – أن نواجههم بكل ما نمتلك من حقائق، لطالما خفيت عليهم، أو أسدلت دونهم الحجب الكثيفة؛ الملفقة والمفتراة, وأن نترفق بهم، ونشفق عليهم، دون أن نجامل أو أن نتنازل عن شيء من ثوابتنا وقيمنا وتصوراتنا (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (3).

ولن يجانبنا الصواب – إن شاء الله تعالى – إذا قررنا أن الأديب مبدعًا كان أم ناقدًا حين يبدع أو ينقد, فيسلك المسلك الإسلامي ابتغاء مرضاة الله عز وجل يصبح بذلك متعبدًا مأجورًا, حين يزن بميزان الحق, ميزان الإسلام العدل, فيدفع به إلى الأديب والمؤرخ والصحفي، والمعلم، والطبيب، والعامل، والصانع ... ليكون الجميع على علم وبصيرة حقة. إن هذا التصور الشامل الرحب للعبادة في الإسلام، يدخل ممارسة العمل الأدبي ومباشرة النقد الأدبي أيضًا، ضمن دائرة العبادة بمفهومها وفضائها الإسلامي الرحب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير